فرق تسُد
ليلى أحمد الهوني
العدوان الإسرائيلي الآثم على غزة كان له أكثر من هدف، وقد يكون الهدف الواضح للجميع هو تلك الكارثة التي حلت بسكان غزة على الجانب الإنساني والجانب المادي، وكذلك الآثار والنتائج النفسية المريعة التي خلفتها الحرب على الأطفال والنساء وكبار السن.
هذه الآثار سوف تستمر لسنوات طويلة قادمة، وتحتاج إلى الكثير من الجهد للتخلص من تابعاتها.
أما الهدف الغير ظاهر لهذا العدوان، فهو محاولة فصل قطاع غزة عن بقية أجزاء الأراضي الفلسطينية، كما أن من هدف هذا العدوان، خلق حاجز نفسي وفعلي بين معظم المناطق والمدن الفلسطينية، بحيث تلهي مشكلة غزة والحرب عليها، الشعب الفلسطيني والعرب جميعا، عن المشكلة الأساسية وعن التركيز على تحقيق الهدف المرجو، وهو استرداد القدس وعودة كل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أنها سياسة فرق تسُد، التي أتبعتها كل الأنظمة الاستعمارية في السابق، حتى قبل قيام دولة إسرائيل.
هذه السياسة تقوم على عزل المدن والقرى في الوطن الواحد عن بعضها البعض، ثم تعريض أحداها أو أكثر لمختلف أنواع التنكيل والإهمال والتجويع، والعمل على تدميرها اقتصاديا ونفسيا، للوصول بهذه المدن والقرى وسكانها،إلى حالة من الإنهاك التام، في محاولة لدفع الجميع للاستسلام الكامل لسلطة الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين إسرائيل من البقاء لأطول فترة ممكنة.
في ليبيا وتحت حكم القذافي عرف الشعب الليبي نفس هذه السياسة، التي تقوم بها إسرائيل و كذلك سياسة الدول الاستعمارية في السابق كما سبق وإن ذكرت.
منذ أن جاء القذافي للسلطة وهو يحاول ويعمل، على أن يفرق بين المدن والمناطق الليبية، واستخدم في ذلك كل وسائل الترهيب والترغيب، فأحيانا يقوم بالتقرب لسكان مدينة ما، ثم لا يلبث أن ينقلب عليها أو ضدها، و ينعت أهلها بالرجعيين والعملاء، كما يعمل على التضييق على سكانها اقتصاديا، وحرمانهم من الخدمات في شتى المجالات، وأحيانا يسلط على مواطني هذه المدينة أو المنطقة لجانه الثورية، لكي يعيثوا فيها فسادا ويبثوا الرعب في نفوس أهلها وسكانها.
لقد قام القذافي، بتطبيق هذه السياسة الذنيئة أكثر من مرة على مدن ليبية مثل: بنغازي- مصراتة – درنة – اجدابيا – ورفله- وعدة مناطق ومدن في الجبل الغربي، ثم الكفرة، ولا نعلم أي المدن القادمة التي ستتعرض لأذى القذافي إذا استمر في الحكم.
سياسة التفريق هذه القصد منها إحكام السيطرة على البلاد، من خلال قيام القذافي وأجهزته الأمنية، بضرب منطقة أو مدينة ما لتخويف بقية المدن والمناطق الليبية الأخرى، بهدف إدخالها جميعها تحت طاعة السلطة، وإلا سيكون مصيرها مصير المدن والمناطق التي تم تخريبها في السابق.
كما أن هذه السياسة لا تقتصر فقط على المدن والمناطق، ولكنها تشمل أيضا الذين يعملون معه حيث يقوم بضرب بعضهم البعض، بل أحيانا يقوم بتصفية بعضهم للتخلص منهم نهائيا، خوفا من فضح وتعرية سياسته وتمرد بعضهم عليه.
وبالتالي فأن سياسة فرق تسُد التي يتبعها نظام القذافي الفاشل، هي السياسة الوحيدة التي تمكنه من السيطرة والتحكم، وهي التي مكنت نظامه من البقاء في الحكم كل هذه الفترة. ولولا هذه السياسة التي تقوم على التفريق والتشتيت لما أستمر كل هذه المدة الطويلة، باعتباره لا يملك مقومات النظام الشرعي والقانوني الذي يقوم على الاختيار الحر من قبل الشعب الليبي، و في ذات الوقت ليس لديه الرجال الصالحين القادرين على القيام بمهام بناء دولة حقيقية، دولة يتمتع شعبها بالحرية والعدل والاستقرار.
إن هذا الأمر يتطلب من الشعب الليبي الصابر والصامد، الوعي بهذه السياسة الخبيثة، وأن يبقوا وحدة واحدة، أشخاصاً ومدن ومناطق، لأن المستهدف هو الجميع، وليس فقط مدينة أو جهة أو منطقة أو شخص ما.
علينا جميعا أن نعي جيدا بأن إصابة هذه المنطقة أو المدينة أو هذا الشخص أو ذاك، لا يعني أن الخطر لن يصل إلى كل الليبيين، وبالتالي فأن من واجبنا نحن أبناء الشعب الليبي، أن نتكاثف وأن نتعاطف مع المستهدفين ولا نكتفي بالتأييد المعنوي، بل علينا أن نعمل جاهدين بمختلف الطرق والوسائل المتاحة والمشروعة، لإفشال سياسة فرق تسد، و التعجيل بنهاية حكم نظام القذافي الطاغية.
*************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
lailaelhoni_68@yahoo.com, blaila89@hotmail.co.uk