الجمعة، مايو 01، 2009

ليبيا ليست في حاجة إلى -سوبرمان- .. بقلم/ ليلى أحمد الهوني

ليبيا ليست في حاجة إلى - سوبرمان -

ليلى أحمد الهوني


في عصر التطور وعصر التقنية وعصر التحرر، مازال الكثيرون في بلادنا التي ترزح تحت الاستبداد، يحلمون بالفارس الأسطوري والشخصية المنقذة، التي تكون قادرة على حل كل المشاكل والقضايا بسهولة ويسر، ويتم تضخيم صورته الذاتية و الترويج لها في أعين الناس على انه البطل صاحب العصاه السحرية، التي تستطيع تغيير الأشياء إلى ما يريده العامة من البسطاء أو أولئك الذين سوف يستفيدون منه، أو هو صاحب الوصفة الشافية من جميع الأمراض، التي يعاني منها المجتمع.

هذه الفكرة أي شخصية" البطل الأسطوري" نابعة من الإحساس باليأس أحيانا، أو الإحباط أو عدم وجود خيارات، أو بسبب الخوف من المجهول أحياناً أخرى، فيتم قبول أي شيء حتى لو كان مفروضاً عليهم بالقوة، بعد أن يتم تلميعه وإضفاء صفة الأسطورة عليه، على أساس انه المنقذ الوحيد، وإحاطته بهالة كاذبة من الوعود القادر على تحقيقها، ولعل صورة سوبرمان تلك شخصية الخيالية، التي ظهرت منذ منتصف القرن الماضي، وتحديداً في سنة 1938، حيث قام مخترعها في بادئ الأمر بجعلها مصورة في مجلات، ومن ثم تطورت وأصبحت في أفلام الكارتون وبعد ذلك أصبحت تلك الشخصية الوهمية، نجماً من نجوم السينما وشخصية من شخصيات أفلام هوليوود الخيالية.

هذه الشخصية منذ أن ظهرت، وبما أنها لا ترتبط بالواقع بصلة، ولكنها تصور في خيال الذين يشاهدونها، أنها تملك قدرة غير طبيعية، في القيام بالأعمال الخارقة، والتي هي افتراضياً في مجملها موجودة لخدمة المجتمع، ومن اجل سعادته، فقد اقتصرت (شخصية سوبرمان) فقط على جذب الأطفال، وكسب قبولهم التام لتتبعها ومشاهدتها، والإعجاب بالقدرة الخارقة والجبارة لهذه الشخصية، إلا أنهم أي الأطفال وبمرور الوقت، وعند وصولهم إلى سن معينة من العمر، يدركون طبيعياً بأن هذه الشخصية غير واقعية البتة، وبالتالي نجدهم يتركونها، ويبتعدون عن مشاهدتها والتأثر بها نهائياً، لان الواقع مختلف بالكامل عن الخيال، والمخيل المعتمد على التصور الوهمي لشخصية البطل، ليس هو ما يحدث في هذا الواقع.

وفي ليبيا اليوم وتحت "نظام القذافي" يتم تكريس وتطبيق نفس السيناريو، وبكل براعة وإتقان وتفنن، وذلك استعداداً لظهور أو وصول البطل الأسطوري، ابن "الزعيم" المنقذ (سوبرمان)، وذلك لينقذ وبحركة "بطولية" خيالية معدة ومبرمجة، كل ما صار قاب قوسين أو أدنى، من حدوث أي كارثة ومصيبة في البلاد، بسبب قرارات أو أعمال"الحكومة الليبية".

وبهذه الطريقة استمر نفس المسلسل الرديء، فكلما تحدث مشكلة ما في ليبيا، وتكبر وتتفاقم ويكاد يصعب حلها، فما هي إلا بضعة أيام وقد تكون ساعات، وإذا بالبطل الأسطوري (سوبرمان) ابن أبيه وفي "رمشت عين" يصل ليحلها أو لاحتوائها، وكأنه حقاً يملك عبقرية فذة، وإمكانيات خارقة لا يملكها بقية الليبيين (الغلابة)، الذين لم يهبهم الله "المواهب، والكفاءات، والشجاعة، والقوة" التي يملكها سيف القذافي (سوبرمان)، فمن مشكلة لوكربي إلى أطفال الايدز، إلى ما يعرف بالمعتقلين الإسلاميين، وغيرها الكثير من الأمور العالقة، ولعل آخرها مشكلة فصل أئمة المساجد، بعد مواقفهم الشجاعة، من تحديد يوم عيد الأضحى المبارك، بما يتمشى مع شريعتنا الإسلامية، والتي أشيع أن (سوبرمان) القذافي فقط سيحلها، لأنه الوحيد الذي يملك مفاتيح حلها، "سبحان الله" يملك وينفذ، و يقول بأنه لا يحكم!!!.

منذ سنوات قليلة ماضية، حاول (سوبرمان) القذافي، ربط كل شيء في حياة الليبيين بالوعود المزيفة، وأوهمهم وببراعة متقنة بأنه هو "المهدي المنتظر"، وهو الذي سوف يحل تراكمات أربعين عاماً، من البؤس والشقاء والإذلال والقتل والتعذيب والسجن، والاعتقال لآلاف الليبيين من جميع الفئات والتوجهات، وبأنه سوف يخلصهم من كوارث نهب أموالهم وبعثرة ممتلكاتهم، وبإيقاف نشر الفساد في مجتمعهم، وبتأديب كل من داس على كرامتهم وعزة نفسهم.

إلا أن وكما يقول المثل الليبي (مهبول من شوى دحية ومهبول من طمع فيها، ومهبول من عطى بنته للسايب ايربيها) فأن سوبرمان القذافي، تراجع بكل بلادة عن مواقفه، وبدأ يتملص من وعوده وعهوده، وبدأت أرجله خطوة للأمام وخطوتين للخلف، ورأيناه يوم يعلن عن اعتزاله "الحياة السياسية"، ويوم يعلن عن عدم رضائه على حكومة أبيه، وبدأت مواقفه وتصرفاته الغير مسؤولة، أكثر وضوحاً للشعب الليبي، (وراحت الخابية وراح معاها القمح)، و(طار الحمام صفقي يا وزة)، وبالتالي فقد فقد معظم الليبيين ثقتهم به، وفي تحقيق كل ما وعدهم به من أحلام وأوهام.

والآن وبما أن (من ليبيا يأتي الجديد، في عصر العقيد، ويوم الوقفة يصبح عيد) فأن سوبرمان، تلك الشخصية، الوهمية، الخيالية، هاهي تدخل مرة أخرى و"بقوة"، فيصبح بقدرة قادر، هو الذي يملك "مفتاح عشرين" (على رأى الليبيين)، لحل كل المشكلات الموجودة في ليبيا، والأكثر من هذا أصبح هو الفاطق الناطق، الأمر الناهي، والمقرر في كل كبيرة وصغيرة بدون منافس ولا مناقش، وبدون اعتراض أو حتى تذمر من"قيادات السلطة الشعبية "، "العوالة" الذين توكل إليهم وباستمرار، مهمة غسل الأطباق (المواعين) والحلل (الطناجر)، بعد الانتهاء من (تقريض) البصل و(سقي) العشاء للمعازيم.

هذا هو "سيف الإسلام القذافي"، وهذه هي اللعبة العبيطة، التي يلعبها "نظام" القذافي "بتفوق" و"جدارة"، وهذا ما يحدث في ليبيا اليوم، ويا خوفي ويا ضيق صدري، مما سيحدث في "ليبيا الغد"، لو استمر الحال على ما هو عليه.

إن ليبيا يا سادة ويا سيدات، ليست في حاجة، إلى سوبرمان جديد من أي مكان في العالم، ليبيا في أحوج ما يكون إلى رجال مخلصين، إلى شرفاء وطنيين، كل همهم وشغلهم الشاغل، هو خدمة شعبهم وبلادهم، ولا شيء غير بلادهم، ليبيا تحتاج إلى رجال لا يهمهم، لا السلطة، ولا الثروة، ولا الجاه، ولا الزعامة ولا القيادة، ولا"البرباغاندا" ولا "الفنطازيا". ليبيا في حاجة إلى رجال ليبيين يحبون أرضها ويعشقون ترابها، ويخدمون وطنهم وأهل وطنهم (اللي تمرمدوا) بسبب ممارسات و جرائم "القائد" السوبرمان الأكبر! الذي يحمل جميع الألقاب ويدعى المعرفة والعلم والتقوى، ذلك "القائد" المعجزة "الخارق للعادة"، الذي يعرف كل شيء ويصمم كل شيء، مع انه بعد أربعين سنة من الدمار والفساد والخراب، اتضح وثبت انه لا يعرف، ولا يفهم، ولا يعي، ولا يدرك أي شيء.

ليبيا يا سادة ويا سيدات، في حاجة إلى فكر جديد ووجوه جديدة، وجوه ليبية أصيلة، وعندما نقول وجوه ليبية، لا نقصد بهم (لباسين الكاط والريشة وإلا المتغطين بعباة بو عيشة) وكذلك لا نقصد بها الوجوه الليبية المستوردة من الخارج، حتى ولو كانوا ليبيين، بل نقصد أولئك الرجال، الذين تمرسوا وتهرسوا في وسط أرضهم، وبين أهلهم وناسهم، ومستعدين للموت والتضحية بحياتهم، من اجل كل حبة رمل، من هذا الوطن العظيم الغالي.
****************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

lailaelhoni_68@yahoo.com, blaila89@hotmail.co.uk