الشطرنج
بقلم / ليلى أحمد الهوني
لقد شهدت ليبيا منذ انقلاب القذافي زمرة من الأشخاص الذين يطلق عليهم (الأدوات)، وباللهجة الليبية الدارجة "المناشف"، استقروا في كل أجهزة السلطة والدوائر الرسمية المختلفة، والمناصب والمراكز المهمة في الدولة، وهم نوعية يندر وجودهم في أي دولة تقوم على أساس شرعي ودستوري، حيث يفترض أن تكون الوظيفة العامة، تكليف لإدارة شؤون الدولة ولخدمة المجتمع والشعب، وليس وسيلة لتنفيذ رغبات من هو في السلطة أو الحكم.
هذه النوعية من الشخصيات يرتبط وجودها وبقائها، ببقاء واستمرار النظام الحاكم في ليبيا، لذلك فهؤلاء الأشخاص لا يمكن أن نطلق عليهم سوى أسم "الأدوات" لأنهم لا عقل لهم يرشدهم ولا ضمير لديهم يؤنبهم، بل هم مجموعة من بيادق الشطرنج يتم التلاعب بهم، وبكل سهولة من قبل هذا "النظام".
أما الزمرة الحاكمة في ليبيا، وتحديداً تلك السلطة الموجودة والمسيطرة والتي فرضت نفسها على الشعب الليبي، والمتمثلة في القذافي وعائلته وبعض من المقربين منه، وهى التي تتحكم في البلاد والعباد وتفتقد كلياً لشرعية الحكم، فهي تحتاج لمثل هذه النوعية من الأشخاص، لذلك نجد القذافي دائماً يحافظ على استخدام وتوظيف نفس الأشخاص ونفس الوجوه دون غيرهم، بسبب ولائهم له باعتبارهم لا يتعدوا كونهم مجرد أدوات ومناشف خاضعين بالكامل لخدمته، وتنفيذ رغباته و أوامره وتحقيق مصالحه ومصالح أولاده.
كثيراً من أفكار وسياسات القذافي الشاذة والغريبة، والتي لا تخدم نهائياً مصلحة الشعب، نجد هؤلاء (المناشف) حريصين باستمرار على التمسك بها، والسعي بكل ما لديهم من سلطات لتنفيذها، وفرضها على الشعب الليبي، مهما كلف هذا الأمر من مشاكل وصعاب ومعاناة للمواطنين .
وهؤلاء الأدوات هم شلة من الأشخاص، المعروفين جيداً لدى الشعب الليبي منذ وقت طويل، ومعروفه أعمالهم وتصرفاتهم لدى جميع الليبيين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أمثال كوسة والبغدادي المحمودي والشامخ وعقيل حسين عقيل ومعتوق واحمد ابراهيم و بوزيد دورده و وووووو .. ولا يخفى عليكم باقية الأسماء، قد ارتبطوا جميعاً بالقذافي منذ السنوات الأولى للانقلاب تقريباً واستمروا في الولاء له، وهذا يفسر العلاقة التي نشأت بين القذافي وهؤلاء، بأنها فعلاً علاقة تقوم أساساً على المصلحة الشخصية لكل منهم، حيث نجد في الوقت الذي يريد فيه "هو" تسخيرهم لخدمته وتمرير سياساته، وأحكام سيطرته وهيمنته على المجتمع، نجدهم ينفذون بكل خضوع، كل ما يطلب منهم طمعاً في الحفاظ على مناصبهم وجاههم، وتمتعهم بسرقة خيرات البلاد وأرزاق الشعب الليبي، بدون أي حسيب أو رقيب.
إذن عندما تكون العلاقة بينهم، أي بين رأس السلطة و بيادق الشطرنج بهذا الشكل وبهذه الكيفية، فانه لا يمكن البتة الحديث عن أي معايير حقيقية وصادقة للأداء والواجب الوظيفي، إنما نجد أن المسيطر على هذه العلاقة هو المصلحة و المنفعة الشخصية لكلا منهم، الأمر الذي فتح أمامهم جميعاً، الطريق لتقديم كل أشكال وأنواع التنازل والتفريط .
أما إذا بحثنا قليلاً عن ما هو السر وراء إبقاء القذافي والمحافظة على هذه النوعية من الشخصيات ؟ فأننا نجد أن القذافي قد عرف جيداً عيوب الراغبين في العمل معه، وأدرك وتيقن أنهم على استعداد تام ليكونوا مجرد أدوات أو مناشف أو قطع صغيرة من بيادق الشطرنج، يمكن له تحريكها من مربع إلى آخر بكل سهولة وبمنتهى اليسر، لأنه وبكل بساطة، عندما تم اختيارهم من قبل القذافي نفسه، لم يكن اختيارهم لخدمة ومصلحة الشعب الليبي بل جاء بهم فقط لخدمته هو شخصياً ولتنفيذ أوامره، ولتحقيق رغباته وسياساته الفاسدة بالكامل وبدون النظر لمصلحة الشعب الليبي، من هنا يتضح للجميع أن المعيار الأساسي، لوجود هؤلاء باستمرار في مراكزهم أو حتى نقلهم من مكان إلى آخر وفي نفس رقعة الشطرنج، هو فقط بسبب ضمان ولائهم المطلق لصاحب السلطة.
هذا المعيار (الولاء)، يأتي في المرتبة الأولى لبقاء هؤلاء الأشخاص في وظائفهم أو مناصبهم، أو حتى في حصولهم على أي مركز يرغبون به، أما الكفاءة فهي ليست مطلوبة على الإطلاق، لأن أصحاب الكفاءات قد لا يتفقون مع رغبات الحاكم، لهذا نجد أن القذافي قد تمسك وبشدة، بنفس الأشخاص ونفس الوجوه ونفس المواصفات طوال 40 سنة من الحكم. إذن فإن اختيار القذافي لهذه الشخصيات وإصراره على وجودهم في مناصبهم ومراكزهم، سواء مدنيين أو عسكريين، لم يأتي من فراغ، أو لأنهم ذوي كفاءات عالية أو خبرات ومهارات مهنية مرموقة، بل فقط لأنهم دائماً تحت الطلب لخدمته، وحريصين بشدة على تقديم فروض الولاء والطاعة له، بدون أي نقاش وبمنتهى الخنوع.
أما إذا تأملنا في نوعية هذه الشخصيات، نجد أنهم جميعهم بدون استثناء، قد سلموا إرادتهم طواعية للقذافي إلى درجة المسخ الذي أفقدهم إنسانيتهم وقضى بالكامل على رجولتهم، وأعطته كل الصلاحيات لأهانتهم وشتمهم، وبالطريقة التي يريد وهذا ليس بخافي على احد، بل نرى مثل هذه الممارسات دائماً تجاه هؤلاء، وبكل وضوح خلال نقل بعض الاجتماعات، التي تنقل للمشاهد مباشرة عبر الفضائيات.
ناهيك عن البصق في وجوههم والاعتداء عليهم بالضرب، وغيرها من معاملات الإذلال والتحقير، كما أنه يصل في كثيراً من الأحيان، إلى حد تجريدهم من مناصبهم أو رتبهم العسكرية، كعقاب لهم لفترة زمنية معينة لتأديبهم. وكم من مرة أيضاً قام بتصفية أشخاص تطاولوا عليه أو ابدوا أرائهم في أي موضوع أمامه، أو أحيانا إذا شعر أن شخصاً ما من المقربين منه قد يغدر به أو يخونه، والأمثلة على ذلك كثيرة ووسائل التصفية متعددة، حتى وان بقيت المعلومات عنها مجهولة أو طي الكتمان.
هذه هي سياسة القذافي، وهذه هي الطرق والوسائل، التي ساهمت في إطالة عمر حكمه في ليبيا، وهؤلاء هم الأشخاص الذين أيدوا ودعموا بطريقة أو بأخرى استمراره كل هذه السنوات على رأس السلطة، وهؤلاء هم من كانوا السند للقذافي وساعدوه على البقاء على كرسيه طوال هذه المدة، وإذا كان طبيعة وطريقة حكم القذافي فاسدة بـنسبة 50% فهؤلاء ساندوه ودعموه بـ 50% الأخرى.
قبل أن أختم مقالتي هذه أود القول، بأننا حقاً قد مللنا لعبة الشطرنج هذه، ولم تعد تمتعنا أو تسلينا، بل صارت تقلقنا وتكاد تقضي علينا، فما عدنا نريد هذه اللعبة وبيادقها، ولا نريد القلاع، ولا الفيلة، ولا الأحصنة، وتعبنا من وجود هذا الوزير وكرهنا وجود هذا الملك، وما عدنا نحتمل وجود هذه اللعبة السخيفة على الإطلاق. فكيف لنا أن نستمتع بلعبة مفسدة ومتعبة ومهلكة ومدمرة ومملة استمرت 40 عاماً؟ فالأشخاص هم الأشخاص والوجوه هم والوجوه والأسماء هم الأسماء، ولا نراهم يقالون من مناصبهم أو يستقيلوا أو يذهبوا إلى سبيل حالهم، لقناعتنا وتأكدنا بأنهم ساهموا بشكل كبير في دمار هذا البلد، وزادوا من معاناة هذا الشعب ودعموا جبروت وفساد هذا الديكتاتور، فها نحن قاربنا على إتمام الـ 40 سنة من هذا الحكم الفاشي، ومازالت أداننا تسمع أسماء وأصوات نفس الأشخاص ، وعيوننا ترى نفس الوجوه، ولا نستطيع أن نتخلص من أحدهم إلا إذا رحمنا الله بموت واحداً منهم. 40 عاماً تربعوا على مناصب ومراكز، 40 عاماً استفادوا ونهبوا وسرقوا، هم وأولادهم وأصهارهم وأقاربهم وأبناء قبائلهم ومعارفهم، 40 عاماً أفسدوا وخربوا ودمروا وهلكوا، كفاهم ما سرقوه وكفاهم ما نهبوه، وعليهم الآن أن يعرفوا جيداً أن الشعب الليبي ليس بالأعمى أو بالمغفل، حتى لا يدرك حجم الدمار الذي تسبب فيه هؤلاء المناشف وما هي الخدمات التي قدموها له ؟ وما هي الانجازات التي تمت في كل هذه الفترة الطويلة؟
نسأل الله أن يرحمنا من هذه الوجوه وهذه الأسماء الغابرة، ويساعد شعبنا على أن يكون قادراً على التغيير ونسأل الله أن يأتي برجال مخلصين، فمن خلق المحمودي وكوسة ودوردة والشامخ وأحمد إبراهيم وفلان وفلان في ليبيا قادر على أن يخلق غيرهم، فليبيا بها رجال وعقول راجحة، و بها كفاءات وخبرات متمكنة، ليبيا بها وطنيون يحبون وطنهم بكل وفاء ويخلصون لهذا الشعب بدون حدود، كما أن ليبيا بها نساء، ولهن عقول ولهن كفاءات ولهن خبرات، ليبيا بها وطنيات مخلصات، يحبون وطنهن بكل وفاء، ويخلصن لهذا الشعب بدون حدود، وعلينا جميعاً تقع مسؤولية الأعداد والقيام بالتغيير.
***************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
lailaelhoni_68@yahoo.com, blaila89@hotmail.co.uk