مر على تحرير ليبيا من المردوم معمر القذافي

السبت، يناير 12، 2008

الحقبة القذافية.. بقلم/ ليلى أحمد الهوني

الحقبة القذافية

ليلى أحمد الهوني

إن المتتبع لتاريخ ليبيا والحقبات الزمنية الاستيطانية منها وحتى الاستعمارية, مرورا بالفينيقين والإغريق والامبراطورية الرومانية والبطالمة ومن بعدها الفتوحات الاسلامية بمختلف عصورها, كالعصر الاموي والعباسي وتابعياته المختلفة من دويلات, أمثال بني الغلب "الاغالبة", والدولة الرستمية, والمرابطون, والموحدون, ثم الخلافة الفاطمية, وما حصل فيها من هجرة بني هلال وبني سليم, وتعريب ليبيا بسبب هذه الهجرة ثم الدولة الايوبية, ثم غزو فرسان القديس يوحنا ثم الانضمام إلى الخلافة العثمانية وولاية القرمانلي, وحتى بداية التاريخ الحديث والغزو الايطالي ومن ثم استقلال ليبيا وحكم الملك محمد إدريس السنوسي.

سيجد ان لكل فترة من الفترات التي سبق ذكرها, قد تميزت بسمات ونهضة أضافت لتاريخ ليبيا تقدم وإزدهار في مختلف الميادين, فمنهم من أقام وأنشأ المدن الكبرى في ليبيا ومنهم من تفنن في البناء والعمارة, ومنهم من أدخل التجارة وبنى وأسس المؤاني التجارية, ومنهم من أدخل الصناعة ومنها الصناعات الحرفية مستغلين في ذلك الموارد الطبيبعية الموجودة والمتوفرة أنذاك في ليبيا, وتسخيرها لما يعود بالفائدة للأهالي, ومنهم من أدخل الكتابة وفن النحت وغيرها من الفنون, ولعل أهم ما تميزت به الفتوحات الاسلامية بمختلف عصورها هو إنتشار الاسلام في ليبيا وبناء المساجد والمدارس القرآنية التي أتاحت للأهالي تعليم أبنائهم القرآن وتحفيظه لهم.

وحتى الدولة العثمانية كان لها الفضل في حماية سكان ليبيا من غزو فرسان القديس يوحنا, والذي اعتبره الليبيون في ذلك الوقت غزو أجنبي, وبذلك أستغاثوا بالسلطان العثماني بإعتباره خليفة للملسمين لحمايتهم من ذلك الغزو.

وكذلك كان إنتشار الحركات الصوفية في ليبيا قد مكن من نشر وتعليم الاصول الدينية في مختلف مناطق البلاد, ولا يمكننا في هذا المجال غض الطرف عن ما قامت به الحركة السنوسية.

ومن هذا التسلسل التاريخي نصل لبداية التاريخ الحديث وهو الغزو الايطالي. فعلى الرغم من أن الغزو الايطالي هو حقبة إستعمارية ذاق فيها الشعب الليبي مرارة الاحتلال, وما جرى فيه من ظلم وجور وتعسف وحروب وحصار وقتل وغيره من الاساليب الاستعمارية, الا أنه اي الاستعمار الايطالي كان له دور في إعمار بعض المدن الليبية ووضع لمسات من المعمار الايطالي المميز بشكله ومتانته, وإعطاء بعض هذه المدن شكل معماري جميل ومتناسق, والزائر لليبيا يمكنه ان يلاحظ ذلك في مدنها الرئيسية.

اما أفضل الفترات الزمنية التي مرت على تاريخ ليبيا نسبياً, هي فترة الاستقلال اي فترة الحكم الملكي وحتى إنقلاب سبتمبر بقيادة معمر القذافي, حيث تمكن الليبيون في هذه الفترة من استرداد أنفاسهم بعد أربعين عاما من الاحتلال والنكبات الاستعمارية والحروب وكل ما تعرض له الشعب الليبي من آفات وأمراض وفقر آبان الاستعمار الايطالي.

فقد كانت فترة حكم الملك محمد إدريس السنوسي, هي بمثابة إستراحة محارب, إسترد فيها الشعب الليبي حريته التي حرم منها طيلة فترة الاحتلال الايطالي, وتمتع فيها نسبياً بالاستقرار الاقتصادي والسياسي حيث بدأ مرحلة من التطور التدريجي, التي كان يمكن لها لو استمرت أن تصل بليبيا إلى مرحلة من التقدم, هذا ما عرف لدى غالبية الشعب الليبي عن تلك الفترة الزمنية من تاريخ ليبيا.

أما بعد الإنقلاب العسكري فإن الأمر الذي لا يختلف عليه أثنان, هو أن القذافي قد عاث في ليبيا فسادا وخراباً, ويكاد يقضي على اليابس فيها, بعد أن أنتهى من قضائه على الأخضر منذ سنوات طويلة,فعلى مدى ما يقارب الأربع عقود زمنية- إستخدام القذافي مختلف الوسائل للنيل من الشعب الليبي.

وعلى الرغم من الوعود التي جاء بها القذافي منذ إنطلاق بيانه الإنقلابي الاول, والتي لم يتحقق منها شئ , فقد باشر بإيقاف كل ما كان سيتحقق في ظل العهد الملكي, فعلي سبيل المثال لا الحصر, تم إلغاء مشاريع كانت ستنجز مثل مشروع إدريس للإسكان, والذي كان يتضمن بناء ما يقارب 600 ألف وحدة سكنية في مختلف المدن الليبية (ربما كانت ستحل مشكلة من مشكلات السكن في ليبيا حتى يومنا هذا) وكذلك أوقف مشروع توسيع الجامعات الليبية في كلاً من مدينتي طرابلس وبنغازي, وألغاء مشروع بناء مطار بنغازي الدولي, وتخريب وتدمير معظم المؤاني الرئيسية في المدن الليبية الساحلية وحصرها في المنطقة الوسطى, مما كان له الأثر الكبير في تأخر ليبيا تجاريا وإقصائها إقتصاديا, هذا ناهيك عن المشاريع الزراعية والصناعية التي سخرت لها مبالغ هائلة من أموال الشعب الليبي, وفشلت جميعها لأنها كانت مشاريع قصد بها الدعاية السياسية "للنظام", دون دراسة للجدوى الاقتصادية, كمشروع تاورغاء ومشروع الكفرة الزراعي ومشروع النهر الصناعي وغيرهم, وكذلك مصنع الحديد والصلب,مصنع الدراجات, وغيرها من المصانع, وتم إيهام الشعب الليبي زوراً بنجاحها.

واستمر القذافي طيلة فترة حكمه بإستغلال الشعب الليبي وتضييع ثروته, هذا بالاضافة إلى سلب أموال الليبين وأرزاقهم والاستيلاء على أراضيهم ومساكنهم, ولم يكتفي القذافي بذلك, بل وصل به الامر أن سجنهم بحجة التشكيك في مصادر ارزاقهم وممتلكاتهم, مما أدى إلى خلق الفوضى والكراهية والعداء بين الشعب الليبي, كما قام القذافي بإيقاف التجارة وإحتكارها من قبل الدولة مما أدى إلى فتح الابواب على مصراعيها للسرقات والنهب الاختلاس في ظل غياب أي أجهزة للمتابعة والرقابة والمحاسبة, وأدى هذا بدوره إلى الركود والكساد الاقتصادي وإنهيار البنية الاقتصادية بشكل عام, وقد نتج عن ذلك:

1- بروز طبقة جديدة من اللصوص المرتبطين برأس السلطة.
2- إتساع دائرة الفقر والحاجة عند غالبية الشعب الليبي.
3- إنتشار البطالة وبروز مظاهر إجتماعية لم تعرف في ليبيا من قبل كـ تفشي آفات إجتماعية
خطيرة مثل تجارة المخدرات والسرقة والدعارة وغيرها.

وعلى المستوى التعليمي, كان لفرض مناهج دراسية تضمنت محتوياتها, خزعبلات القذافي ونظريته الكاذبة, سبب في تجهيل الشعب اللليبي وتدني مستواه التعليمي, وما نتجت عنه من أثار سلبية في مستوى الطلبة الدارسين داخل ليبيا.

وفي ظل هذه الأوضاع كان القذافي بأجهزته "الأمنية" يمارس أبشع الجرائم في حق الشعب الليبي, وكل من يختلف مع "أفكاره" حيث سلط لجانه الثورية وأجهزته الأمنية القمعية على المجتمع الليبي,
فنصب المشانق, وقتل الطلبة في الجامعات, وزج بهم في المعتقلات, واستمر هذا القمع والارهاب في داخل البلاد كأحداث معركة باب العزيزية 1984 ,والاصطدمات الدموية مع التيارات والجماعات الاسلامية, ومجزرة سجن أبو سليم, كما جرى ملاحقة الليبين في الخارج وقتلهم في شوارع أوروبا من رجال أعمال ومفكرين, وكتاب وصحفيين, وأصحاب الانتماءات السياسية والفكرية, وحتى الطلاب, وقام بخطف معارضين ليبين أمثال جاب الله مطر وعزات المقريف والاستاذ منصور الكيخيا, الامرالذي زاد من رقعة القمع وسمح باستشراء الفساد السياسي والاقتصادي والإجتماعي في البلاد.

ومن ناحية أخرى ورط القذافي أبناء الشعب الليبي في حروب غير مبررة كحرب أوغندا وحرب تشاد الفاشلة والخاسرة التي أدت نتائجها إلى خلخلة الأوضاع في ليبيا بشريا وعسكريا وسياسيا وإقتصاديا, وطالت ممارساته الارهابية إلى الدول الغربية, مثل تزويد الجيش الجمهوري الايرلندي بالسلاح وإقامة علاقات مع المنظمات الارهابية في أوروبا, وتفجير مقهي برلين, وتفجير طائرتي البانام الامريكية واليو تي ايه الفرنسية, مما عرض ليبيا لعقوبات عسكرية وإقتصادية زادت من عزلتها وأبتعادها عن المجتمع الدولي, الامر الذي ضاعف من تأخرها وتخلفها عن باقية دول العالم.

وقد ظهرت أثار ذلك في العديد من الجوانب, ومن بينها الجانب الصحي حيث أهملت المستشفيات, وشحت المعدات الطبية, وذلك بسبب الحصار الاقتصادي الذي طبقه القذافي على ليبيا ومن بعده الدول الغربية من جراء ممارساته الارهابية, والتي سبق ذكرها والتي تضرر منها الشعب الليبي فقط, في حين انه تمتع هو وأسرته وكل تابعيه بمستوى معيشي مرفه جدا.

واستمرت الأوضاع السئية في ليبيا إلى يومنا هذا, دون تغيير او تحسين على الرغم من مرور ما يقارب ست سنوات بعد رفع ما يسمى بالحصار الذي كان مفروض عليها من الغرب, والذي تحجج به القذافي وأعتبره سبب لتأخر ليبيا إقتصاديا متناسيا انه هو السبب في هذا الحصار وان سياسته الاستبدادية أيضا هي السبب الحقيقي في الوصول بالشعب الليبي للحال الذي عليه الان.

وفي المرحلة الحالية على الرغم من إرتفاع أسعار النفط بشكل كبير جدا, والذي كان من المفروض ان تنعكس أثاره الايجابية بصورة تؤدي إلى تطور وتقدم وإزدهار البلاد, من خلال بناء البنية التحيتية وتطوير المرافق والخدمات العامة, وعلى وجه الخصوص الصحية والتعليمية والمعيشية, وكل ما من شأنه خدمة المواطن الليبي والارتقاء بمستواه. الا أن المستفيدين من هذه الزيادة هم في الواقع القذافي وأبنائه وأبناء عمومته وما يسمى بالرفاق وأبنائهم وكل أعوانه والمواليين له.

إذن فإن تقييم الحقبة القذافية يقود إلى نتيجة مفادها أن هذه الحقبة لم تحقق أي نوع من أنواع التطور أو التقدم, على اي مستوى من المستويات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية, الأمر الذي أوصل الدولة الليبية في الحالة الراهنة إلى درجة من التخلف والإنحطاط بصورة لم تشهدها ليبيا حتى في أقصى وأحلك العصور التي مرت بها.

* المعلومات التاريخية نقلت بتصرف عن موقع ويكيبيديا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

lailaelhoni_68@yahoo.com, blaila89@hotmail.co.uk