مر على تحرير ليبيا من المردوم معمر القذافي

السبت، أغسطس 27، 2011

شارع الصريم.. بقلم/ الأستاذة عزة المقهور

شارع الصريم

((قصة قصيرة))

بقلم/ الأستاذة عزة المقهور

جزء من حوش "بوي" وحوش "خوي" وهما يقعان في قلب شارع الصريم

سمي شارع وهو في الحقيقة حي، لأن ذلك أمر شائع في مدينة طرابلس. يقع هذا الشارع بين شارعين، الأول منخفض يعرف بشارع النصر، والثاني مرتفع ويعرف بشارع الجمهورية، وهذا التخطيط هو أهم مايميز هذا الحي. شيدت مساكنه، وهي في أغلبها دور ذات طابق واحد، منذ زمن الإيطاليين على الجزء العلوي منه.
يربط شارع الصريم بين عدة مناطق، الأولى حي الأندلس وهي على امتداد الجهة المنخفضة المجاورة لشاطئ البحر والثانية منطقة قرجي الممتدة من الجهة العلوية، وبين وسط المدينة وتحديدا ميدان القادسية المؤدي إلى كل من حي بن عاشور وحي الظهرة وزاوية الدهماني. كما أن الحي مجاور لحي شعبي يعرف بـالمنصورة.
ورغم حيوية هذا الشارع المستقيم ووجود عدة مصالح ومباني عامة وربطه لمناطق متعددة ومتفاوته من حيث النسيج الإجتماعي، وقربه من وسط المدينة، إلا أنه نظيف هادئ، غير مكتظ، ما أن ينتهي الشارع بإتجاه الغرب حتى يتبين شاطئ البحر المتوسط من علو وبوابة حي الأندلس بحديقتها الواسعة.
يضم الحي الدور الراقية، كما يضم أول تجمع لمساكن شعبية في طرابلس، وهي عمارات لاتتجاوز الطوابق الأربعة بلونها الرمادي المتناغم مع بقية مباني الحي حتى أنه لا يمكن تمييزها عنها.


حين ضاق الحال على الليبيين، قام أغلب سكان الحي في الجزء العلوي بتحويل اجزاء من بيوتهم المطلة على الشارع إلى دكاكين ومحلات حرفية، كما بنوا طوابق على مساكنهم لمواجهة مشاكل السكن المتفاقمة في بلد مترامي الأطراف.
يعرف الحي أيضا بحي الزهور، حيث تلوح الأشجار والنباتات من وراء اسوار المساكن، كما وأن الشارع تظلله اشجار الزينة التي يتشابك بعضها ببعض. أما الجزء العلوي فيغطيه نباتات "الودينة" دائمة الإخضرار ذات الأصابع المنتفخة، تتدلى على طول المنحدر حتى شارع النصر حيث قلعة الإذاعة المحصنة.

يقف شباب الحي على نواصي وتقاطعات أزقته أو امام دكاكينه، يتحدثون أو يتضاحكون، يناقشون أحوالهم وأعمالهم التجارية، أو يحملقون في المارة.
هكذا يحتم الموقع الجغرافي والتنوع السكاني والنشاط التجاري أن يتحول هذا الحي الهادئ الذي يصبح عند الظهيرة خاليا فتنساب في شوارعه الفسيحة حركة السيارات بكل يسر، إلى كتلة من النار يوم فجر عروس البحر.
بدأ التكبير من مأذنة جامع "بن نابي" وجامع "بوحميرة" بعد صلاة المغرب، فأندفع شبابه خارج بيوتهم على وقع "الله أكبر...الله أكبر.... ولله الحمد..." منهم من خرج وفي فمه حبة تمر لم يمضغها بعد، ومنهم من تجرع ماء مازال ينساب في حلقه. خرجوا جميعا دون تنسيق مسبق، مصممين على نيل الحرية أو الشهادة، شباب حي الزهور، ورود اينعت، وشجيرات ياسمين تفتقت ازهارها البيضاء، ونوار عشية تفتح عند الغروب، ومسك الليل أطلق رائحته الزكية ليلا، وفل طرابلسي ومشموم يبيعه شبابها يوم الخميس "للصدارات"... هكذا تحول شارع الصريم بشبابه وشباب المنصورة وشارع الجمهورية وشارع النصر إلى حي لثورة طرابلس....التي انتفضت أحياؤها فرادى لأشهر ستة والتي كلما رفعت رأسها تحاول استنشاق نسيم الحرية جذبوها من شعرها إلى الخلف وحطموا أسنانها... خرج شباب الحي، من خلفهم امهاتهم عند الإفطار يزغردن، وآبائهم يكبرون مع تكبير الجوامع، وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم لن يعودوا إلا برؤوس عالية ممسكين بمشاعل الحرية، أو لن يعودوا أبدا.


اليوم وعلى امتداد شارع الصريم سقط الشهداء برصاص القناصة الجبناء المختبئين فوق أسطح المباني، وهم يحاولون افتكاك حريتهم بأسنانهم واظافرهم، وكسر أسر مدينتهم المهين. سقطوا في الشارع أمام أعين امهاتهم وأبائهم وهم يقفون على الشرفات وأمام الابواب يودعونهم بالتكبير والزغاريد، فتكدست الجثث على الأسفلت الساخن وهي تنطق بالحرية لطرابلس. لن ينطفأ النور في عيونهم المفتوحة ولن تبرد دمائهم المنسكبة على الشارع إلا وقد تحررت طرابلس كلها، وعادت اليها رائحتها الزكية أرض الزهر والحناء، وخرج اهلها يتغنون "فكرتينا يازهرة الياسمين... ببسمته وأيام من ماضينا... يازهرة الياسمين".

عزة كامل المقهور
21. 8. 2011

هناك 5 تعليقات:

  1. مقالة رائعة استحقها شارع الصريم "ستالين قراد طرابلس"

    ردحذف
  2. بارك الله فيك وربي يحمي كل ليبيا...بنت الصريم

    ردحذف
  3. الله اكبر ولله الحمد شارع الصريم شارع الابطال ....بنت الصريم..(بنت الهوني)

    ردحذف
  4. الله اكبر ولله الحمد

    ردحذف
  5. الله اكبر ولله الحمد

    ردحذف

lailaelhoni_68@yahoo.com, blaila89@hotmail.co.uk