مر على تحرير ليبيا من المردوم معمر القذافي

الأربعاء، يناير 25، 2012

الرد على محمود جبريل حول مفهوم "العلمانية" .. بقلم/ د. علي رحومة المحمودي

الرد على محمود جبريل حول مفهوم "العلمانية"

بقلم/ د. علي رحومة المحمودي

في كلمة مسجلة على موقع ((اليوتيوب)) بعنوان ((رد محمود جبريل (1) على فتوى الشيخ الصادق الغرياني (2) مفتي الديار الليبية)) يقول محمود جبريل ((... مفهوم العلماني بالمضمون الليبي.. مضمون المشاحنات.. شُوه ووُظف بطريقة قصدية.. العلمانية كما أفهمها أنا.. جاءت فترة من فترة العصور الوسطى في أوروبا الكنيسة تحولت إلى سلطة تبيع صكوك الغفران.. وكانت تبيع فيها بالفلوس.. فتحولت الكنيسة إلى سلطة سياسية وسلطة اقتصادية.. كانت تبرر فعل الشخص من منظور ديني وتمنع فعل الشخص من منظور ديني، فأصبحت لها هيمنة على سلطة الدولة، وتقول شنو اللي صح وشنو اللي خطأ، في سنة 1648 ظهرت معاهدة "ويست فاليا Westphalia" (3) .. ثم بدأت مقولة ((دع ما قيصر لقيصر وما لله لله)) وبدأ فصل الدين عن الدولة، الدولة تعطي كل المواطنين ـ باعتبارهم مواطنين كلهم أبناء هذا البلد ـ حقوقهم، وديننا هو ((الذي يريد يعبد الله أهلا وسهلا، والذي ما يريد يعبد الله الله هو الذي سيحاسبه، لكن أنا مُلزم طالما هو مواطن في هذه الدولة أني أنا أقدم له خدمات، هذا كيف بدأت ((العلمانية)). لكن هنا فهمومها للأسف، وهكذا وُظفت وقُدمت للناس، أن لما تقول فلان علماني معناها ملحد لا يؤمن بالله!! هذا غير صحيح، غير صحيح بالمرة.. أنا أؤمن بأن كثير من الناس الذين يقولوا أن الدولة مدنية لكل الناس ربما يصلي ويصوم أكثر حتى من الذي يصفوا الناس بهذه الصفة، والله سبحانه وتعالى هو الذي أعلم أكثر قربة إليه، وبعدين لما تكفر.. وتقول هذا مسلم.. وهذا كافر.. ماذا تركت لله؟!((قل أتعلمون الله بدينكم؟!) أنت ما تعلمش الله!! الله أعلم بما في السرائر، وبعدين العلاقة اللي ما بين الله سبحانه وتعالى والفرد هي علاقة فردية!! وإلا ما قال الله سبحانه وتعالى ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)).. ((كل نفس بما كسبت رهينة)). في الآخر ((كل شاة معلقة مع كراعها)). لا بيجي معاك بوك ولا خوك ولا الصادق الغرياني ولا محمود جبريل ولا فلان ولا علان... أنا وجهة نظري أن هذه العلاقة المباشرة الجميلة بين الخالق والمخلوق علاقة قائمة على مبدأ الأمانة، أنه هو أتمن ((إنا عرضا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)). أعطاه مسؤولية إعمار هذه الأرض، ولما أعطاه هذه المسؤولية، أعطاه قبسة منه ((ونفخنا فيه من روحنا)). فأعطاه العقل حتى يُميز بين الخير والشر ((وهديناه النجد)).. ((إما شاكرا وإما كفورا) دائما إما وأما.. معناها في حرية إختيار، لما يكون فيه حرية اختيار معناها اتحمل المسؤولية، لكن لما لا يكون عندي حرية اختيار كيف تُحملني المسؤولية؟ يا أخي اتركني اتحمل مسؤوليتي عن خياراتي حتى أُفي بحقوق هذه الأمانة التي أعطاها الله لي!! لا تُنقص مني، الله سبحانه وتعالى جعل مني خليفة في الأرض وخلق مني خالق!! وبعض الناس لا يحبون كلمة خالق، لكن أقول لهم دائما ((فتبارك الله أحسن الخالقين)). فالله حولك إلى خالق في هذه الأرض! أعطاك الله العقل، هذا الفكر التنويري، هذا الإسلام الذي خلق حضارة عظيمة، الذي جعل الأوروبيين يأتوا إلى الأندلس يستقوا العلم لما شغلنا العقل، لما شغلنا العقل وشغلنا العلم فأنت في حالة عبادة لله سبحانه وتعالى!!)). انتهى بتصرف يسير(4).

وسوف أجعل تعليقي على ما تقدم في النقاط التالية:

أولا. يتفق جميع من ينتسب "للعلمانية" بالتسليم لقضية التخصص، أي الطبيب يُفتي في مجال تخصصه، والمهندس في الهندسة وهكذا، وبناء على ذلك، وعلى حسب ما يؤمن به العقل "العلماني" أن أمور الشرع يُفتي فيها المتخصصون من العلماء وطلبة العلم الشرعي، لكن هذا ما لم يلتزم به محمود جبريل ذي الخلفية "العلمانية" في كلامه السالف، فصار يُفسر الآيات كما يُريد ويشتهي وما يخدم فكره "العلماني". وقد يقول قائل بأن ديننا واضح ولا يحتاج إلى من يفسره لنا، فنقول لهذا القائل، لو أن مريضا شعر بصداع في رأسه فذهب إلى مهندس! يسأله عن مرضه أكنت تُقره على فعله هذا؟ فكل عاقل سيُجيب بلا، ولكن لو قلنا لماذا لا نُقر هذا المريض على ذهابه للمهندس؟ أليس أمر الصداع ظاهر واضح يستطيع أن يُفتي فيه عامة الناس؟ قد يقول قائل إن الصداع ليس من الضرورة أن يكون أمرا سهلا، فقد يكون سببه تسوس في الأسنان، وقد يكون سببه ألم في العينين، أو احتقان في الحلق، وقد يكون سببه سرطان في الدم وقد.. وقد إلخ. قلنا لهذا القائل نتفق معك في هذا تمام الإتفاق، ولكن ما الذي يجب أن يفعله هذا المريض في هذه الحالة؟ كل عاقل سيقول، يجب أن يذهب إلى متخصص ـ طبيب في هذه الحالة ـ حتى يجمع كل المعلومات المتعلقة بالمريض ومرضه، كتحليل الدم، وقياس النبض، وقياس درجة الحرارة ونحو ذلك، فلما تجتمع عنده المعلومات الكافية يستطيع بعد ذلك أن يحدد سبب الصداع الذي ألم بهذا المريض، أليس هذه هي المنهجية العلمية التي يتمسح بها أصحاب الفكر "العلماني"؟ فلماذا لا يلتزم بها هؤلاء عند تناولهم لقضايا شرعية؟ هل مجرد معرفتك بآية أو آيتين تسمح لك بأن تُفسر الدين كما تريد وتشتهي؟ أليس كل الناس تعرف أن من أسباب علاج الصداع أن تتناول حبوب لتخفيف الصداع؟ أو بمعنى آخر، أليس عامة الناس عندها معلومات طبية عامة؟ لكن هل هذه المعلومات الطبية تسمح لهؤلاء الناس بحال من الأحوال أن يتحدثوا في قضايا طبية دقيقة؟ والجواب عند جميع العقلاء بالنفي قطعا، فكيف أجاز محمود جبريل لنفسه أن يُؤصل تأصيلا باطلا "للعلمانية" بمجرد معلومات دينية عامة تحفظها جدتي وأترابها؟ أين العقل هنا؟ أين الفكر التنويري المزعوم؟.

ثانيا: وحتى لا يتهمنا أدعياء العلم بأننا نُسلم عقولنا إلى غيرنا، يجب القول بأن التسليم للمتخصصين لا يعني إطلاقا مصادرة عقولنا بالكلية، بل يجب علينا أن ننظر إلى حُججهم قبل قبولها، فالطبيب حينما يقول لذلك المريض بأن الصداع سببه سرطان الدم، فالمريض سيطوف الدنيا من أجل التحقق من أن دمه فعلا مصاب بالسرطان، وقد يضطر إلى السفر لخارج البلاد من أجل التحقق من ذلك الأمر قبل التسليم به، فإذا تيقن فعلا بأنه مصاب بسرطان الدم استسلم عند ذلك للحقائق العلمية (طبية في هذه الحالة). والشئ نفسه ينطبق على الحقائق الشرعية، فليس كل من قال لنا هذا حلال وهذا حرام سلمنا له، بل علينا أن نتحقق من أن كلامه مُسند إلى حقائق علمية (شرعية في هذه الحالة) قبل التسليم له، هذا الذي يُحتمه علينا العقل إن كنا فعلا نملك عقولا تنويرية؟.

ثالثا: تكلم محمود جبريل عن نشأة "العلمانية" فقال ((جاءت فترة من فترة العصور الوسطى في أوروبا الكنيسة تحولت إلى سلطة تبيع صكوك الغفران.. وكانت تبيع فيها بالفلوس..)) وهذه حقيقة لا يختلف حولها المؤرخون، وتسلط الكنيسة على العلماء والناس واضطهادهم هو الذي جعلهم يثورون عليها، وجعلهم يصلون إلى قناعة ((فصل الدين عن الحياة))، لكن السؤال المهم هو هل الإسلام فعل أفعال الكنيسة الجائرة حتى نفصله عن الحياة؟ أرجو أن نجد جوابا مقنعا عند أصحاب العقول التنويرية!. محمود جبريل بحرفية منقطعة النظير أراد أن يُنقل واقع أفعال الكنيسة الجائرة ليسقطها على واقع الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين!!، وهذا قياس فاسد من كل وجه، ولا يقول به إلا من ليس له عقل بالكلية فضلا عن أن يكون له عقلا تنويريا، هل الإسلام جاء ليوزع صكوك الغفران على أتباعه؟ فإذا كان أولئك الأوربيون لهم مبرراتهم في الخروج عن سلطان الكنيسة الظالم الجائر فما هو الداعي للخروج عن سلطان الله المتمثل في الإسلام وأحكامه السياسية والإقتصادية والإجتماعية ونحو ذلك؟ وحتى لا يتهمنا أصحاب العقول التنويرية بأننا ظلاميون رجعيون ننقل لهم بعض أقوال الغربيين أنفسهم عن الفرق بين الكنيسة والإسلام، يقول مارسيل بوازار وهو مفكر وقانوني فرنسي معاصر، أولى اهتمامًا كبيرًا لمسألة العلاقات الدولية وحقوق الإنسان وكتب عددًا من الأبحاث للمؤتمرات والدوريات المعنية بهاتين المسألتين، يقول هذا الغربي في كتابه ((إنسانية الإسلام)) ((.. إن القرآن لم يُقدّر قط لإصلاح أخلاق عرب الجاهلية، إنه على العكس يحمل الشريعة الخالدة والكاملة والمطابقة للحقائق البشرية، والحاجات الاجتماعية في كل الأزمنة). ويقول أيضا (من نوافل الأمور رفض الادّعاء المتكرر آلاف المرات في الغرب عن عجز الإسلام عن تنمية نظام سياسي. فالتاريخ يكذبه تكذيبًا مرًا وقاطعًا..).

فهذا الباحث الغربي المنصف يشهد للإسلام بأنه يحمل الشريعة الخالدة والكاملة والمطابقة للحقائق البشرية والحاجات الإجتماعية والسياسية أيضا وفي كل الأزمنة، أما أصحاب الفكر التنويري فقالوا كما أبعدت أوروبا الكنيسة عن شؤون حياتها علينا أن نُبعد الإسلام أيضا عن شؤون حياتنا!، وهكذا يفعل التقليد بصاحبه، والمصيبة أن هؤلاء لا يكتفون بتقليد غيرهم، إنما يزعمون أن هذا التقليد الأعمى هو عين الفكر التنويري، وأن تغيب العقل كما في مثل هذه الحالة هو عين العبادة!.

رابعا: يقول محمود جبريل ((هكذا كيف بدأت "العلمانية" لكن هنا فهمومها للأسف، وهكذا وُظفت وقُدمت للناس، أن لما تقول فلان علماني معناها ملحد لا يؤمن بالله!! هذا غير صحيح، غير صحيح بالمرة.. أنا أؤمن بأن كثير من الناس الذين يقولوا أن الدولة مدنية لكل الناس ربما يصلي ويصوم أكثر حتى من الذي يصفوا الناس بهذه الصفة..)).

العلمانيون الغربيون لم يكونوا كلهم ملحدون، وهذه معلومة مغلوطة قدمها الدكتور ذي العقل التنويري لمستمعيه المصفقين!، فأصحاب الفكر "العلماني" الغربي منهم من يؤمن بالله، ومنهم من ينكره، ومنهم من يشك في وجوده، ولو أنك تسأل العلمانيين الغربيين عن عيسى عليه السلام فمعظهم سيجيبك بأجوبة تعكس مقدار الحب الذي يُكنه "العلمانيون" الغربيون لعيسى عليه السلام ولأمه مريم وللإنجيل ونحو ذلك. فالقول بأن "العلماني" في الغرب يعني أنه ملحد هذا قول غير دقيق، يجب أن يعيد فيه النظر أصحاب الفكر التنويري. "العلمانية" كما يُعرفها الغربيون أنفسهم هي كلمة مأخوذة من Secularism وتعني الدنيا أو الدنيوية أو اللادينية. وجاء في قاموس اكسفورد التعريف التالي " العلمانية مفهوم يرى ضرورة أن تقوم الأخلاق والتعليم على أساس غير ديني ". ويُعرف معجم ويبستر العلمانية ((رؤية للحياة أو أي أمر محدد يعتمد أساساً على أنه يجب استبعاد الدين وكل الاعتبارات الدينية وتجاهلها)). وتقول دائرة المعارف البريطانية في تعريف كلمة العلمانية ((هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا فقط)).

فالبحث العلمي إذا والموضوعية التي يؤمن بها الجميع تستدعي أولا تحديد الألفاظ والمصطلحات والتعريفات قبل الخوض في تفصيلات غير متناهية، فكلمة علمانية ترجمة غير صحيحة لمعنى اللادينية كما يُعرفها الغربيون أنفسهم، فكل من رأى أن الأخلاق والتعليم والسياسة والإقتصاد ونحو ذلك يجب أن تقوم على أساس غير ديني فهذا هو "العلماني" أو بتعبير أدق اللاديني، فهذا هو التعريف الدقيق الذي يحدد لنا "العلماني" من غيره، أما غير ذلك فلا قيمة له على الإطلاق، فقد يكون الشخص "علمانيا" لا دينيا ومع ذلك تجده يقوم الليل ويصوم النهار ويزور البيت الحرام في السنة سبع مرات!، وهذا كلام مهم ودقيق لمن رزقه الله فهما صحيحا وعقلا راجحا.
وبناء على ما سبق، فالمصادر الغربية تُعرف "العلمانية" بنفس التعريف الذي يُعرفها به محمود جبريل ويؤمن به، فحينما يسوق محمود جبريل مقولة ((فصل الدين عن الدولة)) ومقولة ((دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)) في سياق الإستشهاد والإستحسان، فهذه هي عين "العلمانية" الغربية التي تُناقض الإسلام جملة وتفصيلا.

خامسا: أجمع الصحابة ومن سار على نهجهم إلى يومنا هذا على قتال مانعي الزكاة وهذا أمر معلوم ظاهر يعلمه حتى أطفال المسلمين، فإذا كان الصحابة جميعا متفقون على قتال مانعي الزكاة فكيف بمن يمتنع عن التزام أحكام الله في السياسة؟ كأحكام الحرب والسلم والغنائم والعهود والمواثيق والقضاء وعلاقة الدولة المسلمة برعاياها وبرعايا غيرها ونحو ذلك. فكيف بمن يمتنع عن التزام أحكام الله في الشؤون الإجتماعية، كعلاقة الرجل بوالده وأمه وزوجته وبنيه وجاره وضيفه وأقاربه ونحو ذلك. فكيف بمن يمتنع عن التزام أحكام الله في الإقتصاد، كأحكام البيوع، وأنواع الربا المحرم ونحو ذلك. وغير ذلك من أحكام الله التي أنزلها في كتابه وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته وعمل بها المسلمون جيلا بعد جيل. وها هنا أمر مهم جدا أرجو أن تنتبه له أخي الكريم، مانعي الزكاة الذين قاتلهم الصحابة رضي الله عنهم كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر ويصلون ويصومون ويتلون القرآن آناء الليل وأطراف النهار ولم يكونوا قط ملحدون لا يؤمنون بالله ومع ذلك أجمع الصحابة على قتالهم، قال ابن تيمية رحمه الله ((وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمس ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة فلهذا كانوا مرتدين، وهم يُقاتلون على منعها وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله)) (5).

سادسا: يقول محمود جبريل ((العلاقة اللي ما بين الله سبحانه وتعالى والفرد هي علاقة فردية!! وإلا ما قال الله سبحانه وتعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى".. "كل نفس بما كسبت رهينة" في الآخر "كل شاة معلقة مع كراعها")) انتهى.

وهذا كلام حق أُريد به باطل كان على أصحاب الفكر التنويري أن يجتنبوه، لاسيما وهم في حالة عبادة لله كما يزعمون!، وسأبين بطلان هذا الكلام بالمثال التالي، تصور لو أن لك شقيقا أدمن شرب الخمر ثم بذلت قُصارى جهدك في نصحه وإرشاده ولكنك لم تُفلح، فهنا يصلح الإستدلال بقول القائل "كل شاة معلقة مع كراعها" "ولا تزر وازرة وزر أخرى".. لكن لو أن شقيقك هذا أحضر سكينا ليقتل طفلا يسير في الطريق هل يصلح أن يُقال في هذه الحالة ولا تزر وازرة وزر أخرى ودعه يفعل ما يشاء؟ أو لو أن شقيقك أراد أن يُلزم جميع أفراد أسرتك على شرب الخمر هل يصلح أن يُقال في هذه الحالة كل شاة معلقة مع كراعها؟ أو أن شقيقك أراد أن يحرق مدرسة كاملة هل يصلح هنا الإستدلال بكل شاة معلقة مع كراعها؟. لا يختلف عاقلان في بطلان الإستدلال في كل الحالات الأخيرة، فإذا كان الأمر كذلك هل يصلح الإستدلال بقول الله تعالى ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)) في شخص يريد أن يفرض الربا ـ مثلا ـ على جميع مسلمي ليبيا؟. فحينما نقول ((فصل الدين عن الدولة)) معنى ذلك أن لا سلطان ولا رقيب على الدولة إلا ما تقرره الأغلبية، فلو كانت الأغلبية من أصحاب الفكر التنويري المزعوم وقررت حِل الزنا لصار الزنا حلالا، فغدا حينما يرى الليبيون بناتهم يتمتع بهن علوج الغرب وشُذاذ الشرق على شواطئ البحار أو في فنادق الدولة المدنية! التي يُبشرنا بها أصحاب الفكر التنويري المزعوم لما استطاع أحد منا أن يستنكر ذلك، فالقانون الذي سيشرعه "العلمانيون" يحميها، وربما عزّاك "العلمانيون" في ذهاب شرفك وعرضك بقولهم "كل شاة معلقة مع كراعها" هذا إن كان فيهم بقية خير!.

سابعا: يقول محمود جبريل ((فالله حولك إلى خالق في هذه الأرض (6) أعطاك الله العقل، هذا الفكر التنويري، هذا الإسلام الذي خلق حضارة عظيمة، الذي جعل الأوروبيين يأتوا إلى الأندلس يستقوا العلم لما شغلنا العقل..)) انتهى.

الذي أعطاني العقل أنزل لي دينا صالحا لكل زمان ومكان، وحاشا لله جل جلاله أن يُنزل لي دينا يخالف العلم والعقل، بل الدين الذي أنزله الله للبشر مُحفزا للعقل ومشجعا للعلم، يقول روم لاندو النحّات والناقد الفني الإنكليزي والذي حاضر في عدد من جامعات الولايات المتحدة والأستاذ للدراسات الإسلامية في المجمع الأمريكي للدراسات الآسيوية في سان فرنسيسكو يقول ((ففي الإسلام لم يول كل من الدين والعلم ظهره للآخر ويتخذ طريقًا معاكسة. لا، والواقع أن الأول كان باعثًا من البواعث الرئيسية للثاني)). أما العلم الذي كان في الأندلس والذي كان سببا في نهضة الأوروبيين فكان بفضل الإسلام الذي جاء به العرب إلى الأندلس، يقول البروفسر قويلر يونق أستاذ العلاقات الأجنبية بجامعة برنستون، ورئيس قسم اللغات والآداب الشرقية بها، كان مساعد أستاذ اللغات السامية بجامعة تورنتو ((ليس هناك من شك في أن روح البحث العلمي الجديد وطريقة الملاحظة والتجربة اللذين أخذت بهما أوروبا إنما جاءا من اتصال الطلاب الغربيين بالعالم الإسلامي)). وأسبانيا كغيرها من بلاد العالم الأوروبي كانت ترزخ تحت الظلام، فلما فتحها المسلمون صارت قبلة العلم والعلماء، كالبصرة، والكوفة، ودمشق، وقرطبة وغيرها من بلاد الإسلام، فالفضل أولا وآخرا يرجع إلى الإسلام الذي جعل من الشعوب البربرية ـ كالعرب وغيرهم ـ أمما متحضرة متقدمة تهفوا إلى العلم والمعرفة.

أخيرا، ها أنا أقول بما قال به فضيلة الشيخ الصادق الغرياني ((لا يجوز لمسلم أن يمنح صوته لعلماني (7))) فإن كنت حقا تملك أنت ومن حولك عقلا تنويريا قادرا على مقارعة خصومك بالحجة والدليل والبرهان فها هو الميدان أمامك فأرني عقلك.

د. علي رحومة المحمودي
_______________________________
1. د. محمود جبريل رئيس المجلس التنفيذي الليبي السابق.
2. د. الصادق الغرياني مفتي ليبيا وعالم من علمائها، كان مناصرا لثورة 17 فبراير من أيامها الأولى.
3. يعتبر صلح وستفاليا أول اتفاق دبلوماسي في العصور الحديثة وقد أرسى نظاما جديدا في أوروبا الوسطى مبني على مبدأ سيادة الدول (نقلا عن اليويكيبيديا).
4. تجد كلامه على هذا الرابط: http://www.youtube.com/watch?v=X0joUokXiJE&feature=youtu.be
5. مجموع الفتاوى لابن تيمية (28-519).
6. قوله ((فالله حولك إلى خالق في هذه الأرض)) لا يليق، فكل من في السموات والأرض مخلوقات ضعفية لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا، وحتى لو كان قصده أن الإنسان صانع أو مبدع إلا أن هذه الصناعة والإبداع تعجز عن خلق ذبابة ولو اجتمعوا لها ((وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره)). والحقيقة أن هذه الكلمة التي ألقاها محمود جبريل على جمهوره المُصفق! مليئة بالتناقضات وفي مقالة كهذه لا يسعني أن أرد على كل هذه التناقضات.
7. ولا يعني هذا أن الإنسان يصوّت للإخوان المسلمين أو غيرهم، إنما التصويت لكل مسلم صالح على حسب قدراته وإمكانته العلمية.

هناك 11 تعليقًا:

  1. رد علمي ومنطقي ومؤدب, فعلا ليبيا ولادة, شكرا أستاذة ليلى

    ردحذف
  2. ماشاء الله علي الموضوعيه والمنهجيه في النقد

    ردحذف
  3. This may be the ratio of keywords towards the rest of the
    words around the page. Many search engine marketers pay market price for keyword placement when the
    market price drives them to certainly a negative
    margin. It's TIME to discover the basics of how to improve your pursuit engine rankings.
    Also see my web site - http://proimblogger.com/ultimate-demon-review/

    ردحذف
  4. Thanks for one's marvelous posting! I really enjoyed reading it, you may be a great author. I will be sure to bookmark your blog and definitely will come back down the road. I want to encourage that you continue your great job, have a nice morning!

    My web site :: insomnia 13 year old
    Feel free to surf my website insomnia quotes

    ردحذف
  5. It's really very complicated in this active life to listen news on Television, thus I just use web for that reason, and take the newest news.

    Here is my blog; online file backup
    Have a look at my homepage : online backup free

    ردحذف
  6. WOW just what I was looking for. Came here by searching
    for absinth

    Also visit my weblog; insomnia 411 download
    Also visit my web blog ; insomnia and pms

    ردحذف
  7. Yes! Finally something about gears.

    Visit my homepage :: cheap online backup
    Feel free to surf my web site ... online backup server

    ردحذف
  8. Valuable info. Fortunate me I discovered your site by chance,
    and I'm shocked why this accident didn't came about earlier!
    I bookmarked it.

    Also visit my blog post ... cheap online backup
    my page > best online backup service

    ردحذف
  9. What's up to every one, it's really a nice for me to pay a
    visit this web site, it includes precious Information.


    Feel free to visit my blog post; online backup solutions
    My blog post - cheap online backup

    ردحذف
  10. I've discovered partial bridges to get excellent at building rapid overall neck and upper back strength, together with the added bonus of not owning to move the head around to extreme positions. The next component of a mattress set that affects back assistance will be the foundation, or boxspring.

    Also visit my website - http://epastane.com

    ردحذف
  11. Effects of Anne: The artistic aspect of your personality is accentuated with this particular name but,
    unfortunately, this overbalances you toward being even farther out than you otherwise are, decreasing the pool of males
    who could be attracted for you. Those seriously interested in their karaoke will want to look for machines
    which may have extensive audio options, or ones that enable you to record your singing.


    Also visit my website - best portable baby Swing

    ردحذف

lailaelhoni_68@yahoo.com, blaila89@hotmail.co.uk