مر على تحرير ليبيا من المردوم معمر القذافي

السبت، يناير 16، 2016

مع الرحالة الألمانى البارون هينريش فون مالتسان عام 1869م

في رحاب طرابلس وتونس




مع الرحالة الألمانى البارون هينريش فون مالتسان عام 1869م .
دراسة وترجمة: د. عماد الدين غانم
عرض: الأستاذ/ سعيد علي حامد

يصف الرحالة مالتسان جوامع مدينة طرابلس وهو يقسمها من الناحية المعماريةإلى: ــ
أولا :- جوامع عثمانية الطابع وهى:ـ
1) جامع أحمد باشا القرمانلي (1738م).
2) جامع سوق الترك وهو جامع محمد باشا شايب العين (1699).
3) جامع سيدى درغوت (1559م).
4) جامع قرجي (1834) .
5) جامع محمود (1680).
6) جامع الخروبة ( القرن الخامس عشر مع اضافة فى فترة تالية ).
7) جامع الدروج ( بداية القرن السادس عشر).
8) جامع سيدى سالم ( أسس الجزء الحديث منه ومئذنته رمضان بن عثمان رايس عام 1670 أما الجزء القديم و ضريح سالم المشاط ( ت. 1493) فيعود على الأرجح الى ما قبل هذا التاريخ ).
وتتميز جميع هذه الجوامع بمآذنها ذات الطابع الشرقى ، على أنه فى بعض الحالات تتخد شكلا معدلا .
ثانيا:- جوامع مغربية الطابع :-
ومآذن هذا النوع تتبع النموذج المغربي القديم المربع الشكل ، وتتوجه فرضات ويحمل زخارف على الجدران الخارجية للمآذن العريضة ، وقد أورد أسماء أربعة منها وهى :-
1) جامع الناقة وبيت الصلاة فيه دون أية زينة ، ومئذنته مربعة ومنخفضة، وموقعه خلف الأسواق.(ص.237). يعد جامع الناقة من أقدم جوامع مدينة طرابلس ويرجح أنه يعود إلى القرن الرابع الهجري، هدمه الاسبان عند إحتلالهم مدينة طرابلس عام 1510 م. وأعاد بناءه الوالي العثماني صفر داي عام 1610م. كما تشير اللوحة الرخامية المثبتة أعلى مدخله.
2) جامع ابن مقيل ، وهو مبنى قديم جدا ويقال أنه توجد كتابات كوفية فى داخله . (ص.237.) وقد اشتهر بهذا الاسم لقيام محمد بن مقيل (ت. 1110هـ / 1698م.) بتولى الإمامة فيه كما ا شتهر هذا الجامع بإسم جامع بن موسى لتولية الإمامة به ، وبجامع كوشة الصفار لوقوعه بشارع يحمل نفس الاسم.أما المؤسس لهذا الجامع فهو عبدالله المكني في نهاية القرن السادس عشر أو بداية القرن السابع عشر.
3) جامع سيدي عطية الفلاح ، ليس بعيدا عن السور الجنوبى الشرقى وهو ذو منارة مربعة قديمة جدا .(ص 238) .وقد أشار الى زاوية عطية الفلاح عبدالسلام بن عثمان فى كتابه الاشارات لما فى طرابلس من مزارات الذى ألفه فى القرن السابع عشر. وقد فتح بالسور المشار اليه فى سنة 1908 بابا عرف باسم (باب الحرية) اسبشارا بعهد الحرية فى عهد جمعية الاتحاد والترقي . 
ويشير مالتسان الى أنه يوجد فى طرابلس عدة مدارس ومؤسسات دينية ، يتعلم فقراء المسلمين فيها دروسا دينية هى العلوم الوحيدة التى مازال المسلمون يهتمون بها ، وتعتبر مدرسة عثمان باشا احدى أجمل المدارس ، وتمكن الرحالة من الدخول اليها اثر صدفة مناسبة ، ويعطى وصفا لها وقد أسسها الوالي عثمان باشا الساقزلي (عام 1064هـ / 1654م.)، ويذكر أن المدرسة الرشدية تمثل حالة اسثنائية ، وهى مدرسة أسسها الوالي علي باشا الجزائرلي (1866-1870) ، حيث يدرس فيها بالإضافة الى القرآن اللغتين العثمانية والفارسية ، وهذه المدرسة تمثل احدى التحسنيات المختلفة التى تدين المدينة بها لعقلية الوالي علي باشا الذى كان يتولى امور الولاية أثناء اقامة الرحالة مالتسان فيها ويوضح بعض الاصلاحات التى قام بها كتنوير الشوارع وتبليطها والمسلخ الجديد ، واقنية البحر ، والآبار الارتوازية على أن هذه الاصلاحات تواجهها عدة عوائق ومع ذلك فانها تحظى بكل التقدير من الرحالة ويأمل أن تستمر .
تناول الرحالة مالتسان فى الفصل التاسع والعشرين طرابلس الحكومة والشعب ، ويبدأ بمقارنة الأوضاع فى الإيالات الثلاث الجزائر وتونس وطرابلس ، ويعطى بعض التفاصيل عن الاسرة القرمانلية التى حكمت طرابلس من 1771- 1835 وعن كيفية إعادة السلطان العثماني سيادته المباشرة على ولاية طرابلس ، وعن حالة يوسف باشا القرمانلي بعد سقوط حكم أسرته وما يعانيه من فقر ، ومعيشة أفراد الأسرة القرمانلية الذين لم يغادروا طرابلس ، وعن حياة أحمد القرمانلي الذى فر إلى مالطا ثم إتجه إلى تونس بعد سقوط حكم أسرته ومعيشته فى تونس والمعاملة الكريمة التى يتلقاها من حاكم تونس. ويأتى مالتسان بالحديث عن الولاة العثمانيين الذين حكموا طرابلس وكان جميعهم من أصل تركي صميم حتى أنهم لا يفهمون لغة الشعب الذى يحكمونه ، بل يتباهون بعدم معرفتهم إياها . " ان أهالي طرابلس الغرب لديهم أوجه الأسباب للسخط على السيطرة العثمانية ، فالقضاء تسوده الرشوة ، والأوضاع القانونية غير منتظمة والضرائب المفروضة باهضة والطغيان لا يحتمل وعلى الرغم من ذلك فإنهم يتحملون هذا النير ، لأن مضطهدهم يحمل لواء الإسلام ولذلك لا يشعرون أنه من واجبهم أن ينتفضوا لإزاحة هذا النير عن رقابهم." (ص. 269).
يتحدث مالتسان عن الوالي علي باشا واصلاحاته فيذكر انه عربي من الجزائر، أى انه يرتبط بأواصر القربى في الأصل مع الشعب الذى يتولى حكمه، وقد أدخل بعض الاصلاحات في الولاية، وتلك الاصلاحات في بعض الاحيان ليست للتباهي فقط، إذ ينتظر منها جديا أن تحقق منفعة، فقد أمر بحفر آبار ارتوازية. وأدخل تنوير الشوارع وأقام طرقا صحراوية ... إلخ على أن الحال في عهد هذا الوالي أصبح أسوأ في الادارة، وهو شخصيا لا يسلم من التهمة، إذ أصبح بالغ الثروة خلال فترة قصيرة ، وأعمال السلب التى يقوم بها الموظفون الثانويون قد بلغت أوضاعا فاقت أعمال رئيسهم ، وتمكن صهره ، الذي عينه الوالي قائمقاما على قضاء مسلاته ، من أن يجمع ثروة طائلة خلال تسعة أشهر.
ويتناول الرحالة شخصية شيخ البلد علي القرقني وهو عربي تونسي ولد في ط جزيرة قرقنه" وفهم جيدا كيف يكسب ود الباشا الحالى ( علي باشا) إلى جانبه ، كما عرف كيف يكسب ود سلفه بحيث أفسحت له منذ سنوات حرية التصرف في المدينة، وعند تسلمه لمشيخة البلد وهو منصب شرفي لم يعرف عنه أى ثراء إلا انه بعد أن شغله حوالى 12 عاما بدأ في رفاهية مخجلة في بلد فقير، فهو يقيم احتفالات سخية بالمفاهيم الاروبية، ويمتلك باخرة خاصة، وثلاثين بيتا في المدينة ، وحماما عاما، كما يمتلك سوقا. ويتحدث الرحالة عن اختصاصات شيخ البلد، والطرق التى تحايل بها علي القرقني للحصول على الأموال والممتلكات، وهو بمقدرته واشقاءه واعوانه يتواجد في كل مكان، وقد زاره الرحالة في منزله زيارة مجاملة وكان هذا المنزل يتكون من نيف وستة بيوت وجميعها تم شراؤها من ضحايا تعيسين وبالأحرى سلبت ، جعل منها الشيخ بناء واحدا منسقا لأن عدد حريمه كبير، إضافة إلى أفراد أسرته وأقاربه وإمائه يحتاجون إلى مكان فسيح، أن علي القرقني لم يستطع ان يجعل من هذا المبنى الكبير شيئا ينم عن ذوق رفيع. ويصف البيت ومخططه وأثاثه ( البيت الآن خرابة تتوسط شارع "قوس الصرارعي" بطرابلس القديمة ) كما يعطى أوصافا لعلي نفسه، وحريمه الشركسيات.
ويأتى الرحالة مالتسان للحديث عن كبار الموظفين ومنهم المعين (المساعد) والدفتردار اللذين يأتى ترتيبهما في السلم الإداري ما بين الباشا وشيخ البلد ولكنهما فى الحقيقة يليانه من حيث النفوذ . ويقوم الرحالة بزيارة الى المهندس مصار بك الذى أثنى عليه فالرجل ذكى وطموح إلا أنه يضيع فى البيروقراطية العثمانية اذ يجد أمامه موانع فى ضيق أفق الاتراك الاقحاح ، والمهندس مصار بك ليس متحمسا اطلاقا لنجاح خطط الباشا الاصلاحية انه (الباشا) لايستطيع أن يسمع من يتكلم عن المستوطنات الجديدة فى بمبه وطبرق دون أن يثير غضبه . وحسب رأى المهندس فان تأسيس المستوطنات لا يمثل سوى تضحية جماعية بحياة الناس فلا توجد فى المركزين نقطة ماء صالح للشرب ، والمواشى لن تجد عشبا ترعاه ، والمهندس مصار بك يراقب هذه المهمة برعب إذ أنها ستسند إليه دون شك إلا أن النتيجة لن تكون سوى ما ذكر أعلاه.
يتناول مالتسان أحوال المجتمع ، ويذكر أن الشعب يعانى ويتجمل بالصبر وهم يسلبونه . ولايحظى بشئ من الراحة من بين مواطنى طرابلس سوى اولئك الذين ما لبثوا يتوددون إلى شيخ البلد النافذ بالتزلف الصارخ والهدايا النقدية المحسوبة بعناية .(ص299).
فى هذه البلاد لا توجد طبقة ثرية على أساس ملكية وراثية . . . والطبقة الوحيدة الثرية تتمثل فى الموظفين وتتألف بمعظمها من الاتراك الاقحاح . والطبقة التى تتمتع بداوم الاحترام عند المسلمين هم أصحاب الوظائف الدينية مثل المفتي والقاضي والإمام . . . الخ .
ويتحدث الرحالة عن أوضاع الدراويش والطرق الصوفية والفقهآء والفداوية وهم الذين يحكون القصص إنهم مهاجرون من المغرب وتتسم حكايتهم باجمعها بالطابع الدينى وهذا يعنى أنها ذات أتجاه تعصبى الاسلامى ، وعادة ما يمثل دور الجاحد رومى لعين (نصرانى) أو يهودى كافر ، ويكاد مسلم أن يقع ضحية لهما ، ويظل هذا الخطر محدقا به إلى أن ينقذه بالطبع مرابط من أهل الكرامات من براثنهما .
يصف مالتسان اللباس فى طرابلس ؛ ملابس الرجال والنساء ، ويتحدث عن أوضاع السود فيها والذين اتى معظمهم عن طريق قوافل الرقيق رغم أن تجارة الرقيق قد منعت رسميا تحت ضغط القوى الاوربية الكبرى خاصة انجلترا وإن هذه التجارة مازالت قائمة الا أن الضغط قد خفف من قساوة مصير هؤلاء الارقاء مما كان عليه فى السابق، ويتابع الرحالة الحديث عن أوضاع سكان طرابلس فيذكر أن هناك هجرة جماعية جزائرية إلى طرابلس إثر الاحتلال الفرنسى للجزائر عام 1830 ويشكل الجزائريون نسبة كبيرة لعدد سكان طرابلس وتزوجت بناتهم من الاتراك القورغلية وهكذا كان أصهارهم غالبا من ذوى الثراء الذين لايستهان بهم ، ويعتبر الجزائريون فى صفاتهم الأخلاقية الأفضل بين المسلمين من أهالى طرابلس فهم يتسمون بالنبل الواضح . . . معتدلون وشرفاء وعفيفون ومخلصون . . . طيبو المعشر ظرفاء.( ص.323)

أما الجرابة وهم المهاجرون من جزيرة جربة بسبب معاناتهم من ضغوط الحكومة التونسية فهم يمتلكون جميع الدكاكين الجيدة فى الأسواق تقريبا ويتبعون الوكيل خاص بهم وهو يستغلهم بقدر ما يستطيع . وقد تقلد هذه الوظيفة فى ربيع 1869 صادق بن علي قاسم الذى شغل فى السابق وظيفة الوكيل . . وتسلم وظيفة خليفة ( أى نائب حاكم ) فى الجزيرة واستغل مواطنيه من هذا الموقع وثابر على ذلك إلى أن أخذت منه ، وبعد ذلك عاد إلى طرابلس ويزعم أنه أحضر معه ثلات سفن حمل عليها مسروقاته . لاشك أن تونس طلبت تسليمه إلا أن ذلك لم يحصل لأنه عرف كيف يرسخ علاقاته مع المسؤلين في طرابلس بطريق الرشوة المعتادة . وهكذا فإن أبن علي قاسم يتجول بعربته الرسمية فى طرابلس ويرهق أبناء بلده كما يحلو له . ويستمر الرحالة فى وصف أوضاع سكان طرابلس ، الأتراك والقورغلية واليهود والمالطيون والأوربيون .
************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

lailaelhoni_68@yahoo.com, blaila89@hotmail.co.uk