مر على تحرير ليبيا من المردوم معمر القذافي

الثلاثاء، مارس 08، 2016

أنا والتاء المربوطة*.... بقلم/ ليلى أحمد الهوني

أنا والتاء المربوطة*

ليلى أحمد الهوني

((كتبت هذه المقالة بتاريخ 6 مارس 2010))

لكل إنسان في هذه الحياة المليئة بالمتاعب والمشقات أعداء، فأحيانا تجد إنسان من لا شيء يحقد عليك و يكرهك، وأحيانا تجد إنسان ينافقك أو يكذب عليك ويخدعك، وأحيانا كثيرة تجد إنسان حسود يضعك في قائمة المتهمين بسبب أو بدون سبب، وقد يصطدم المرء في حياته بإنسان ينقلب عليه ويعاديه، بالرغم من انه كانت تربطه بهذا الشخص، علاقة متينة من فصيلة الصداقة والزمالة أو الإعجاب و ما شابه. 

وأنا وبعد هذا العمر أعتقد أنني قد مررت بمعظم هؤلاء الذين سبق ذكرهم، ولكن الآن فقط اكتشفت عدو يكرهني، ويطاردني ويقلل دائماً من قيمتي، وهذا العدو مرتبط بي ومرتبطة به ارتباط الوطن والعرق والانتماء واللغة، فبالرغم من تواجده في آخر "الطابور" وبالرغم من أنه يكاد لا يذكر البتة من بين زملائه وأقرانه، إلا انه أي هذا العدو يشكل علي عبء كبير في حياتي، ويكاد يعرقل مسيرة حياتي ومن ثم سيقضي على كل نجاحاتي، عدوي هذه المرة هو حرف من حروف لغتنا العربية، لغة الوطن والأم والأب والجد وجد الجد، ولغة رسولنا وحبيبنا ولغة قرآننا، وحسب الرواية فهي لغة أهل الجنة بعد عمر نتمنى أن يكون طويل. 

عدوي يا سادة ويا سيدات هو حرف التاء المربوطة، ذلك الحرف الذي نغص عيشتي، وكبّل حريتي وصادر كل حقوقي ويكاد يدمرني بالكامل، فبالرغم من أني ومنذ أن وجدت في هذه الدنيا، حاول والدي- حفظه الله - أن يسميني اسم يبعدني به عن هذا الحرف، في محاولة منه ليتجنب الخطأ الذي وقع فيه عندما سمى كل أخواتي اللائي سبقنني بأسماء يحملن حرف التاء المربوطة، ومع كل الجهود الذي بذلت من والدي الحبيب، إلا أن هذا الحرف لم يتركني وصار يلاحقني إلى يومنا هذا، ونال مني بدون شفقة ولا رحمة. 

حرف التاء المربوطة وفي كل أوراقي الرسمية وغير الرسمية، فبمجرد الانتهاء من كتابة اسمي الرباعي، الخالي والنظيف من هذا الحرف، إلا وأجد نفسي مضطرة لكتابته، الآمر الذي يردني بقوة وتعسف للعيش في معاناتي من جديد، فمثلا أكتب اسمي (ليلى أحمد لطفي الهوني)، فأسعد بهذا وآخذ نفس عميق، إلا أن السعادة تقف عند هذا الحد ولا تكتمل، لأني أضطر بعدها إلى كتابة هذا الحرف، عند كتابتي لصفتي وهي سيدة ليبية مسلمة. 

تخيلوا معي لو كانت الصفات السابقة لا تحمل حرف التاء المربوطة، لتغير الحال بالكامل، وصار الموقف معي وفي صفي، وفي ذلك الوقت سيتغير وضعي من "سيدة" وسأصبح "سيد" فبالتالي سأجد الكل يتعامل معي بمنتهى الحرص لكوني "سيد"، فالأمر هنا مجهول؛ فربما أكون سيد العمل أو سيد القوم أو سيد القبيلة، أو سيد العشيرة، أو أو ..الخ، إذن الفرصة هنا ستكون لصالحي لأني سأعيش موقف "السيد" لعدة أيام أو أسابيع أو شهور، أو ربما ووارد جداً بأني سأتمكن من حكم دولة ما لمدة أكثر من أربع عقود زمنية بدون أي منازع، باعتبار أني "سيد" لا تعيبه ولا تعرقل مخططاته الشيطانية "تاء مربوطة"، ففي ذلك الوقت أيضاً سوف لن تهتم الناس ما إذا كنت حقا "سيد"، أم أنها كذبة ضحكت بها عليهم كل هذه السنوات أو بالأحرى كل هذه العقود. 

وعند كتابتي لصفة "ليبي" بدلاً من "ليبية"، أوووووه فهذه الصفة حقا ستهبني الحرية كل الحرية، بدون أي حدود ولا قيود، وستوفر لي الإحساس الدائم بالأمان، وسيكون من حقي أن أعمل أي شئ وكل شيء، ولا أتحاسب بل والأكثر من هذا؛ بإمكاني أن أحاسب أي إنسان أخر يحمل نفس الصفة. مع إضافة حرف"التاء المربوطة"، كما أنني أؤكد للقارئ أيضاً، بأني في ذلك الوقت أي عندما أكون "ليبي" بدون تاء مربوطة، أستطيع أن أتجاوز كل العادات والتقاليد في المجتمع الليبي الذي أعيش به، ولن أجد من يحاسبني أو يقف ضدي أو يتهمني، بل سيقدم لي الجميع كل الأعذار، وسيغفر لي المجتمع كل أخطائي حتى بدون أن أطلب منهم هذا، لا لشيء فقط لأني ليبي ولست ليبية؛ يشوبها ويشوهها ويعيقها حرف التاء المربوطة. 

أما عند كتابتي لصفة مسلم، فالحقيقة الأمر هنا صعب جدا ولا يحتمل النقاش فيه، وإذا تحدثننا عنه بدون مراعاة وبدون تحفظ، أخشى أن أضع نفسي في موقف محرج، أو أن أصل في نقاط تعد حساسة للغاية، وخطوط حمراء من المفروض أن يحترمها المرء ولا يتجاوزها، وبناءاً على ما سبق ذكره من أسباب، فأني سأكتفي بقول- قد لا يختلف الأمر كثيراً بين مسلم ومسلمة، إلا أن الأخيرة - سامحها الله – ملزمة من قبل الجميع أن تطيع زوجها طاعة عمياء، ولو كانت هذه الطاعة لزوجها فحسب لكان الأمر قد هان، بل الأسوأ من ذلك يفرض عليها أيضاً، أن تطيع كل من لا يحمل هذا العائق المشاغب "اللئيم"، المسمى بـ (حرف التاء المربوطة). 

هذا هو حرف التاء المربوطة، وهذا هو عدوي وعدو كل من تحمله، وما أتأسف له وعليه بأن من حملت هذا الحرف، لم تُسأل ولم تُخيّر ولم تكن تقصد حمله بل وجدت نفسها في هذه الدنيا به، فماذا عساها أن تفعل!؟، وما السبيل لها حتى تتمكن من نيل حقوقها كاملة وكسب حرياتها مثلها مثل أخيها "الإنسان" الذي لا يحمل هذا الحرف!؟. 

إن حرف التاء المربوطة هو حرف من حروف لغتنا العربية، ولكنه يكاد يكون عدو ماكر وحقيقي، هضم الكثير والكثير من حقوق المرأة، واستعبد العديد من الإناث شر استعباد، وخصوصاً عندما تكون حاملة هذا الحرف، تعيش في مجتمع كمجتمعاتنا العربية والشرقية، تلك المجتمعات التي يستخدم الناس فيها هذا الحرف من اللغة العربية، للتمييز بين من تحمله وبين من لا يحمله. وأن ما يزيد من حجم هذه المعاناة وتفاقمها في مجتمعاتنا، أن هذه المأساة وهذا العنصرية وهذا التمييز موجودين ومتأصلين فينا ليس اليوم أو بالأمس القريب، بل هي هموم ومآسي متراكمة وقديمة بقدم وأصالة هذا الحرف. 

السيدات والسادة القراء، إن الحروف والكلمات وكذلك الصفات لا تعادي الإنسان، ولا تشكل له مشكلة في حد ذاتها مهما كانت الطريقة التي تكتب أو تنطق بها، ومهما كانت الحروف المضافة إليها، بل أن المشكلة الحقيقية تقع في الإنسان نفسه، ومدى قبوله وكيفية تعامله مع هذا الحرف وصاحبة هذا الحرف!، فإذا كان هذا الإنسان حقاً إنسان متحضر وواع وآدمي (ينتمي إلى بني البشر) فنجده يتعامل مع حاملة حرف التاء المربوطة بطريقة مهذبة ومحترمة وإنسانية، أم إذا كان هذا الشخص غير طبيعي، أو مريض أو فظ أو ناقص عقل و أخلاق ودين ولا يحسن التعامل مع من تحمل هذا الحرف، ويتصرف معها بطريقة بذيئة ومتخلفة متناسيا عمداً بأنها إنسانة مثله، فتصبح المشكلة والعلة ليست في حاملة الحرف ولا في ذلك الحرف ولا حتى في اللغة العربية نفسها، ولكن المشكلة تكمن في الشخص نفسه وفي تركيبته الشاذة والمعقدة، وفي ضحالة تفكيره وفي تدني وانحطاط مستوى أخلاقه وتخلفه، و في عقليته المتحجرة والفاشلة والعقيمة. 

فيا أخي الإنسان الشرقي و العربي، أعلم بأن حاملة هذا الحرف ليست فقط تلك الإنسانة الغريبة عنك، ولكنها قد تكون أمك أو أبنتك أو أختك أو زوجتك، فلا تقلل من شأنها وأحسن معاملتها، فهي من تكملك وهي النصف الآخر من مجتمعك، فكن لها خير سنداً ومعين تكن لك خير أنيساً وشريك. 

وأخيراً.. أهنئ كل أخواتي النساء بذكرى يوم المرأة العالمي .. كل عام وجميع حاملات حرف التاء المربوطة بخير وسعادة وهناء. 
_________________________

* مقال اعتراضي بأسلوب ساخر، أحتج من خلاله على طريقة معاملة الكثير من الرجال للنساء في مجتمعاتنا الشرقية والعربية، علماً بأني سبق وإن كتبت حول هذه الفكرة منذ بدايات كتابتي ونشرت باسم (أم أحمد) بنفس العنوان في عددٍ من المواقع ولكن بطريقة مختلفة، تنقصها الخبرة في كيفية توصيل الفكرة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

lailaelhoni_68@yahoo.com, blaila89@hotmail.co.uk