شاعر السجون الليبية
((الدكتور/ عمرو خليفه النامي))
كتب - ماجد الندابي:-- يرتبط الأدب بنواحي الحياة المختلفة، بل وفي كثير من الأحيان يكون مرآة موازية للواقع الذي تعيشه الشعوب، فمن خلاله تستطيع أن تستقرئ الكثير من الدلالات العميقة التي تتشكل وفق رؤية الأديب تجاه الأحداث والوقائع، وقد يكون الأديب جزء منها، وما يدور اليوم من أحداث مؤلمة يتعرض لها الشعب الليبي من السلطة القمعية، تجعلك تبحث عن الوقائع التاريخية المشابهة لها، والتي تشترك فيها مجموعة من العوامل تجسد لك وجه الشبه بين ما حصل، وما يحصل الآن، وخاصة فيما تم تسجيله شعريا، وهذا ما نجده عند الشاعر الليبي المناضل عمر خليفة النامي، الذي أصدرت دار الحكمة في لندن كتابا عنه للمؤلف محمود محمد الناكوع، وذلك تحت عنوان"الدكتور عمر خليفة النامي، سيرته ومواقفه وأعماله الفكرية والأدبية" الذي صدرت طبعته الأولى عام 2005، في كتاب من مائتي صفحة.
هذا الكتاب يتحدث عن سيرة حياة الشاعر عمر خليفة النامي، وحياة السجون والمنافي التي قضاها في حكم معمر القذافي لليبيا، وذلك من خلال معايشة الناكوع لتلك الأحداث وصلته الوثيقة بالشاعر، الذي كان رفيق الزنزانة لعامين كاملين، كما أنه روى مجموعة من الآثار الأدبية والفكرية لعمر النامي وخاصة قصائد السجون، ومجموعة من المقالات التي قام بنشرها في الصحف الليبية، وهو ما يطلعنا على نافذة جديدة من نوافذ الشعب الليبي المغ لقة، والنامي نافذة شعرية نطل من خلالها على الأدب الليبي.
في بداية الكتاب يسرد لنا محمود الناكوع سيرة حياة النامي وثقافته ومواقفه، وقد أظهر جوانب من شخصية النامي التي كانت تتميز بالذكاء الحاد، والإطلاع الواسع الذي جعل الجامعة الليبية تبعثه لإكمال دراساته العليا في مصر وذلك عام 1962م، وقد التقى النامي بمجموعة من المفكرين الإسلاميين من أمثال محمد قطب وسيد قطب، وتأثر بآرائهم وأفكارهم، ولكن عندما حدثت مجموعة من الاعتقالات في عام 1965م، وشملت الكثير من الإخوان المسلمين، خاف النامي من أن تطاله هذه الاعتقالات، فقفل راجعا إلى ليبيا ليطلب من الجامعة الليبية بأن تحول وجهة دراسته إلى بريطانيا وقد نال الموافقة على ذلك.
في جامعة كامبريدج البريطانية المشهورة التي قضى فيها النامي خمس سنوات كان نتاجها درجة الدكتوراة في الدراسات العربية والإسلامية، وكان في فترة دراسته يتابع أخبار الوطن، وكان يكتب الكثير من المقالات الفكرية والأدبية التي يرسلها إلى صديقه الناكوع في ليبيا ليتم نشرها في صحيفة "العلم"، ومن ضمنها مقالات كانت تنشر تحت عنوان ثابت أسماه "فصول من الجد والهزل" وكانت مادة هذه المقالات تدور حول نقد الحضارة الغربية، ونماذج من الشعر والنثر الليبي.
بعد أن قام القذافي بالانقلاب العسكري عام 1969م، نشر النامي مقال بعنوان "كلمات للثورة" أوضح فيه رؤيته للمسار السياسي الذي يجب على الثورة أن تنتهجه، داعيا كل الاتجاهات السياسية القائمة في البلاد إلى أن للتوحد والاشتراك في تكوين المسار السياسي من "القوميين العرب، والبعثيين، والناصريين، والشيوعيين، والإسلاميين".
في صيف عام 1970 عاد النامي إلى بلده ليبيا، ليشارك في بناء الدولة الجديدة كأستاذ جامعي وناقد وشاعر في الجامعات الليبية، ولكن بدل أن تستقبله منابر العلم، استقبلته مراكز الشرطة، وغرف التحقيق، ومنها إلى المعتقل، وقد كان الاعتقال الأول كإنذار له استمر بضعة أيام، ومن ثم تابع حياته ونشاطاته العلمية في الجامعة الليبية في بنغازي، ثم انتقل إلى طرابلس، وبعد ثلاث سنين، تم اعتقاله مع مجموعة من الشيوخ وأهل الفكر، والكثير من الشباب، وتم زجهم في السجن لمدة عامين دون صدور حكم قضائي، وكانت التهمة الموجهة لهم، أن توجهاتهم الفكرية والتربوية والثقافية، هي توجهات تتوافق مع توجهات الإخوان المسلمين، حيث كانت تتخذ من المساجد والمدارس الثانوية والصحافة منابر لها وذلك لنشر المفاهيم الإسلامية الحديثة، ومحاربة بقايا الاستعمار ومكافحة الفساد الإداري والمالي، وبعد الإفراج عنهم طلبت الاستخبارات بصفة خاصة من عمر خليفة النامي أن يختار منفاه إما في أمريكا اللاتينية أو اليابان أو إفريقيا، وقد تم الاتفاق إلى أن يكون المنفى الأول للنامي هو الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام بتدريس اللغة العربية والموضوعات الإسلامية في جامعة متشجن، ولكنه حن إلى وطنه، غير أن السلطات الليبية لم تسمح له بالبقاء وطلبت منه أن يسافر إلى اليابان مكرها، ففعل ذلك في عام 1979م، وقد عبر عن هذه المنافي بمجموعة من القصائد التي تشتعل فيها مشاعر الحنين إلى الوطن.
لم يكتمل هذا العام حتى أحس النامي بالغربة، ولأنه شديد التعلق بمرابع طفولته وشبابه فقد قرر أن يعود إلى الوطن، كما أنه قرر أن يهجر العلم والتدريس والمدن الكبيرة، وأن يتحول من مهنة التدريس إلى مهنة رعي الأغنام، لعل هذا الأمر يجعل بينه وبين السياسة سدا منيعا، وكان جادا في هذا الاتجاه فقد اشترى قطيعا وذهب إلى "نالوت" مسقط رأسه، وقد كتب في ذلك قصيدة يقول فيها:
يكفي أباك لكي يعيش مكرما
عجفاء ثاغية وتيس أجرب
ولم يتمكن هذا الأستاذ الجامعي من تحقيق أمنيته بأن يعيش عزيزا كريما، فقد فوجئ مرة ثالثة 1981م بالاستخبارات الليبية تقوده إلى المعتقلات في طرابلس، ومنذ أوساط الثمانينات انقطعت أخباره عن أهله وعن أصدقائه واختفى ولم يعرف مصيره حتى الآن.
كما تحدث الناكوع عن صداقته الوثيقة بالنامي، والتي بدأت بالدراسة الجامعية، كما تحدث عن أساتذته ودكاترته، والكتب التي قام النامي بتأليفها.
في قسم آخر من هذا الكتاب أورد مؤلفه مجموعة من المقالات التي قام بنشرها لعمر النامي إبان دراسته في بريطانيا، وقد تنوعت هذه المقالات بين الفكرية والسياسية والأدبية والدينية، منها مقاله"مهر الحضارة الغربية" الذي جاء نتاجا لرؤاه وأفكاره التي شكلها من خلال معايشته للمجتمع الغربي، مستعرضا الكثير من الجوانب الدينية والتاريخية، في ما يتعلق بالحضارة الإسلامية والحروب الصليبية، وآراء المستشرقين، والاستعمار وصراعاته، وأثره في البلاد العربية.
ومقال آخر "فصول من الجد والهزل" تحت عنوان "توابع الزوابع، صورة خيالية" وهو مقال أدبي، وعنوان آخر"نواقيس وصلبان وأشياء أخرى" وقد تناول في هذا المقال النقدي الرؤية الفكرية عند الشعراء الليبيين الشباب، منتقدا الشعراء الذين يقلدون الآخرين في أفكار لا تتوافق مع معتقداتهم الدينية، متعرضا لنماذج من هذا الشعر، وخاصة في ما يتعلق بصلب المسيح وتعدد الآلهة.
وفي مقال آخر بعنوان "رمز أم غمز في القران 1، 2" وهو عبارة عن مقال فكري ديني يرد فيه على صادق النهيوم، في مجموعة من القضايا الدينية الفكرية التي يخالفه فيها، كما أورد مقال طويل بعنوان" كلمات للثورة".
قسم آخر يورد فيه الناكوع قصائد النامي التي قام بجمعها وتوثيقها، وقد أورد تاريخ كتابتها، وأغلب هذه القصائد تمت كتابتها داخل السجن، أو في المنفى، وهي قصائد نالت مبلغا من الشهرة، وخاصة قصيدته "أماه لا تجزعي" التي تم تلحينها وإنشادها في مجموعة من الفضائيات العربية، وقصائده تغلب عليها الطابع الثوري الرافض للواقع، فهو يقول في قصيدته:
أمـاه لا تجزعـي فالحافـظ الله
إنا سلكنا طريقا قد خبرنـــاه
في موكب من دعاة الحق نتبعهم
على طريق الهدى إنا وجدنــاه
على مناحيه يا أمـاه مرقدنــا
ومن جماجمنا نرسـي زوايـاه
ومن دماء الشهيد الحر نسفحـه
على ضفافيه نسقي ما غرسنـاه
أماه لا تشعريهم أنهم غلبـــوا
أماه لا تسمعيهــم منـــك أواه
إنا شمخنا على الطاغوت في شمم
نحن الرجال وهم يا أم أشبـــاه
نذيقهم من سياق الصبر محنتهـم
فلم يروا للذي يرجون معنـــاه
في هذه القصيدة نجده من خلال مخاطبته لأمه ينطلق إلى تبرير طريق كفاحه، وجهاده الذي يسقيه من دم الشهداء، كما يطلب من أمه أن لا تجزع لكي لا يشعر الأعداء أنهم انتصروا، وقد اتخذ من الصبر سياطا يجلد بها أمنيات أعدائه.
والشاعر شديد التعلق بأمه، فيجعل من خطابه لها متنفسا عن همومه وأحزانه بتلك الشكوى التي يبعثها من خلف القضبان فهو يقول في قصيدة بعنوان:"هديتي إليك يا أماه"
لا زلت يا أماه ذلك الفتى المدلل الصغير
أريد أن أشكوا إليك سطوة الزمان
أريد أن أبثك الأحزان والأشجان
أنا هنا تجرحني القضبان
تحجبني عن وجهك الأسوار والجدران
لكم أحب يا أماه أن أراك
لكم أحب أن تضمني يداك
أن أذرف الدموع فوق حجرك الطهور
وأن أبث لوعتي لقلبك الكبير
وفي قصيدته التي كان يأمل من خلالها أن يعتزل الحراك السياسي، والتدريس الجامعي، ليخلو بنفسه مع شياهه التي اشتراها، وينجو من قضبان السجن، وحقيبة المنفى، وكتبها في السجن المركزي بطرابلس عام 73 وخاطب فيها ابنته زينب يقول فيها:
يكفي أباك لكي يعيش مكرما
عجفاء ثاغية وتيس أجـرب
ونعيش في قنن الجبال تظلنا
ويحيطنا بالحفظ قفر سبسـب
جيراننا وحش الفلاة فلا يـرى
فيها سوى سبع يسيح وثعلـب
ألقي أباك ولا جريرة عنــده
في قعر مظلمة يهان ويضرب
مرت ثمانية وجاءت عشــرة
وأبوك في ظلماتــه يتقلــب
فالشاعر قيدت قيود يديه القوافي، فنجده يدمج الدلالات الحسية بالمعنوية ليصوغ بها مأساته فهو يقول في قصيدة بعنوان "قطوف"
أحاول قول الشعـر وهو يصدنـي
وهل يحسن الشعر السجين المكلب
وقد قيدت شعـري قيـود كثيــرة
ترى قلمي فيها يخــط ويشطـب
قيود القوافي قاسيــات ومثلهـا
قيود المعاني فهي أقسى وأصعب
هذه القصائد التي تصنف ضمن أدب السجون تبدو صارخة بالرفض والأنفة، فهو يقول في قصيدته"السجن أهون من تقبيل الأحذية":
طغى بساحة عمري واستبد بها
تتابع الهم في سر وفي علــن
وكنت أملت من دهري مسالمة
فليته إذ أراد الكيــد أمهلنـي
أن نمنح السجن في أفكارنا ثمنا
فما نرى لاكتساح الظلم من ثمن
والسجن أهون من تقبيل أحذيـة
تردي الأنوف بريح منتن عفـن
والسجن أطهر من أرض يدنسها
نير الطغاة بأثقــال من الـدرن
في نهاية الكتاب يستعرض السيد الناكوع بعض أعمال النامي ومراسلاته، وفي الأخير يدرج مجموعة من الصور لهذا الشاعر، يبقى القول ان ما نراه، من بطش يمارس ضد الشعب الليبي من قبل السلطة القمعية، إنما هو امتداد لجرائم ارتكبها القذافي منذ توليه السلطة، والدكتور عمرو خليفة النامي أحد ضحاياه.
***************
هناك قصيدة رثاء للأستاذ المرحوم بأذن الله عمرو سعيد داود من مدينة الرحيبات -ليبيا يرثي فيها العالم عمرو النامي سيتم
ردحذفنشرها في ديوان يتم جمعه وسيتم نشره عن قريب بأذن الله
أفلح داود aflahdawd@yahoo.com عن قصيدة رثاء للشاعر عمرو النامي
ردحذفيا الله يا الله ....الله اكبر عنددنا في زمانا هذا مثل هالشخصيات ونحن مش عارفينهم
ردحذفوالله حرام المفروض تعرفوا بيه الشباب اللي زينا ويكون لنا مثل وقدوة
انا لم اتعرف عليه الا بمحض الصدفة فكان اسمه عابر في احدى المقالات لكاتب غير ليبي ودخلت لابحث عنه ....فتفجأت صراحة .