فينظر كيف تعملون
بقلم/ د. علي رحـــومة المحمــــودي
ما أن اندلعت الثورة في ليبيا حتى هبّ المخلصون من كل صوب وحدب لنصرتها وتأجيجها في وجه نظامٍ فاسدٍ فاجرٍ، وقد دفع هؤلاء الشباب زهرة أعمارهم من أجل إسقاط الطاغية، وكان لهم ما أرادوا بعد أن امتلأت الأرض بدماءهم وأشلائهم، ولكن العجب ليس فيما تقدم، فقد مضت سُنت أهل المروءات أنهم لا يتأخرون عن مثل هذه المكرمات، إنما العجبُ أن يترك هؤلاء ـ وغيرهم ـ أمر ادارة البلاد وتنظيمها إلى اللصوص وقطاع الطرق!. فما أن توقف القتال حتى رجع كثير من هؤلاء الأفاضل إلى حالته الأولى دون أدنى تخطيط أو ترتيب لما بعد القتال، ونحن إذ نُقر لهؤلاء الأفاضل بعظيم صنيعهم وجلالة أعمالهم، إلا أن ترك الحبل على الغارب مُخالف لسنن الله القدرية والشرعية على حد سواء، فالقتال لم يُشرع لذاته إنما شُرع لتحقيق أهداف عظيمة وغايات جليلة، من أجلّها وأعظمها أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وهذا يقتضي أن يكون منهج الله الشامل لكل خير هو المهيمن على حياة الناس (1)، إذ به تُحفظ الأموال، وتُصان الأعراض، ولا تذهب دماء الشهداء هباء، لقد كانت سيوف الأسلام، كخالد وأبي عبيدة والقعقاع وغيرهم، تفتح الأمصار وتُزيل العقبات أمام الأسلام العظيم، ولكن ـ وهنا الشاهد ـ لم تكن تلك الإنتصارات يذهب ريعها إلى خصوم الإسلام من الليبرالين وأضرابهم! ولم تكن في الوقت ذاته تُترك للمتسلقين والمنتفعين، بل كانت تؤول إلى المدينة حيث أبوبكر ومعه عصبة من المهاجرين والأنصار ومن وراءهم المؤمنين والمؤمنات، ريع يتقوى به أهل الإسلام لإقامة الدين وحفظ الحرمات، لقد بُحت أصوات الناصحين منذ اندلاع الثورة المباركة وهي تُحذّر من تربص المتربصين، ومن المصير الذي نراه اليوم ولكن دون جدوى.
إن من الظواهر التي نعايشها، والشواهد التي نحياها، انصراف أهل الحق والخير عن نصرة قضاياهم المصيرية، وعدم إدراك كثير منهم لقضيتهم الكبرى التي من أجلها دفع المخلصون أرواحهم رخيصة في سبيلها، إنّ المتأمل في حال بلادنا اليوم يدرك تمام الإدراك أنها بحاجة ماسة لكل مخلص يرجو الله والدار الأخرة، ومع ذلك تجد عامة المخلصين الدّينين الطيبين في داخل البلاد وخارجها ليس في حساباته مثقال ذرة من استشعار هذه المسؤولية العظيمة، بينما تجد من لا خلاق لهم من المتسلقين والنفعيين عنده من المثابرة والعزيمة من أجل الوصول إلى أغراضه الشخصية ما لو قُسّم على عامة الأفاضل لكفتهم!. إنّ ما يُفتت الكبد هما وحزنا أن يُستفتى على تحكيم الإسلام في بلد كل أهله يدينون به، وما قامت هذه الثورة إلا بصيحات التكبير من حناجر الموحدين، ولكن نشكوا إلى الله عجز المؤمن وجلد المنافق.
فيا أخي الكريم، وأنا أخاطبك أنت، نعم أنت دون غيرك فقد اعتدنا على أن نلتفت إلى غيرنا، إن تلك الدماء الطاهرة التي سالت من أجساد أولئك الشهداء الأبرار ما سالت إلا لتستظل أنت وأبناؤك بظلال الحرية والأمان بعد أن حرمك منها الطاغية سنين عددا، إن أولئك الرجال العظماء ما فارقوا الدنيا وما فيها من أزواج وأبناء إلا لتنعم أنت ومن معك برغد العيش، أفيعقلُ بعد ذلك أن تفرط في كل ما صنعه لك أولئك الشهداء؟ أفيعقل بعد ذلك أن تضن بوقتك وجهدك خدمة لدين الله وصيانة لتلك الدماء الزكية الطاهرة؟.
إنّ الله لغني عنا وعن أعمالنا، وإنّ الله الذي قصم ظهور الجبابرة وأزال ملكهم ونحن شهود على ذلك لقادر على نصرة دينه دون الحاجة إلى أحد من البشر، إنّ من معاني الإنتماء لهذا الدين أخذه بقوة، والإعتزاز به، والقيام على خدمته، ونشره بين الناس، وإن معاني الذل والهوان والهزيمة والوهن أن يتوارى بعضنا خلف مسمّيات كثيرة، وهو يعلم أنه على الحق المبين، خشية أن يُصنف من قِبل أعداء الدين بأنه من “المتدينين” أو “الإسلاميين”. لقد رأينا خلقا كثيرا من الناس في سنين خلت غاية أمانيّهم أن يُهلك الله القذافي ليرفع راية الدين، فها قد أهلك الله القذافي فماذا أنتم فاعلون؟ ((عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون )).
د. علي رحومة المحمودي
____________________
1. المراد هنا أن نسعى بكل جدية لتحقيق هذه الغاية، وإن كنا نعلم مسبقا أن دون تحقيقها عقبات كثيرة، ولكن حسبنا أننا نحاول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
lailaelhoni_68@yahoo.com, blaila89@hotmail.co.uk